إفريقيا في مواجهة تمدد داعش: من انهيار الخلافة إلى استغلال "إدارة التوحش" - جورنالك

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: إفريقيا في مواجهة تمدد داعش: من انهيار الخلافة إلى استغلال "إدارة التوحش" - جورنالك اليوم الأربعاء 22 يناير 2025 05:08 مساءً

16 ساعات 51 دقيقة مضت

بقلم ضرار هفتي *

في عام 2019، أعلن التحالف الدولي القضاء على "دولة الخلافة" لتنظيم داعش في العراق وسوريا، لكن هذا الإنجاز لم يكن النهاية، بل بداية مرحلة جديدة في استراتيجية التنظيم، مع تراجع نفوذه في الشرق الأوسط، أعاد داعش توجيه أنشطته نحو إفريقيا، حيث وجد في الفوضى السياسية والأمنية، إضافة إلى التوترات العرقية والدينية، تربة خصبة لإعادة بناء نفوذه. التقارير الحديثة تشير إلى أن إفريقيا أصبحت مركزًا جديدًا لأنشطة التنظيم، مع تسجيل 70٪ من هجماته و64٪ من ضحاياه في عام 2024.  

التمدد الجديد لداعش في إفريقيا يعتمد على استراتيجيات متطورة تتناسب مع طبيعة القارة، أبرزها مفهوم "إدارة التوحش"، الذي يهدف إلى استغلال حالة الفوضى والانهيار الحكومي لفرض سيطرة التنظيم. لكن قبل التعمق في استراتيجياته الإفريقية، من المهم فهم أسباب انحساره في الشرق الأوسط.  

الانحسار في العراق وسوريا جاء نتيجة عدة عوامل رئيسية، أبرزها العمليات العسكرية الدولية المكثفة التي استهدفت معاقله الرئيسية مثل الرقة والموصل، حيث تم تفكيك بنيته التحتية، كما أن الفظائع التي ارتكبها التنظيم ضد المدنيين قوبلت برفض شعبي واسع، ما أفقده الحاضنة الاجتماعية التي كان يعتمد عليها لتجنيد المقاتلين، إضافة إلى ذلك، نجحت الاستخبارات الدولية في اغتيال قيادات التنظيم وتعطيل شبكاته المالية واللوجستية، مما أدى إلى شل قدرته على التخطيط والتمدد في مناطق أخرى. 

في مواجهة هذا الانهيار، توجه داعش إلى إفريقيا، حيث تتوافر عدة عوامل تجعلها بيئة مثالية لتمدده، ضعف الحكومات المركزية في دول مثل ليبيا ومالي والصومال أتاح للتنظيم استغلال الفراغ الأمني والسياسي، كما أن التوترات العرقية والدينية الموجودة في العديد من مناطق القارة وفرت أرضًا خصبة للتنظيم لاختراق المجتمعات المحلية واستغلال الانقسامات الداخلية لتعزيز وجوده، الثروات الطبيعية مثل الذهب واليورانيوم في مناطق الساحل الإفريقي أصبحت مصدرًا مهمًا لتمويل عملياته، في حين أن الحدود المفتوحة بين الدول تسهل تهريب الأسلحة والمقاتلين، مما يعزز قدرته على الحركة والتوسع، ومع ارتفاع معدلات البطالة والفقر بين الشباب الإفريقي، وجد التنظيم في هؤلاء الشباب الفئة الأكثر ضعفًا لاستقطابهم بوعود تحسين الأوضاع المعيشية أو تحقيق الانتماء.  

داعش لم يعتمد على التمدد العشوائي، بل تبنى استراتيجيات ممنهجة لتعزيز وجوده في القارة، التحالف مع الجماعات الإرهابية المحلية، مثل "بوكو حرام" في نيجيريا و"حركة الشباب" في الصومال، كان خطوة أساسية لضمان قاعدة دعم قوية، التنظيم استفاد أيضًا من تنويع مصادر التمويل عبر التعدين غير القانوني وتهريب البشر والمخدرات، مما منحه استقلالية مالية، على الجانب الآخر، استخدم وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لدعايته وتوسيع شبكة التجنيد داخل وخارج إفريقيا.  

من بين الاستراتيجيات التي اعتمدها التنظيم في إفريقيا، برز مفهوم "إدارة التوحش" كعنصر رئيسي، يرتكز هذا المفهوم على خلق حالة من الفوضى الأمنية والإدارية في المناطق الهشة، ومن ثم استغلال هذا الفراغ للسيطرة عليها وإدارتها بما يخدم مصالح التنظيم، لتحقيق ذلك، تعتمد داعش على استهداف القوات الأمنية والبنية التحتية الأساسية في المرحلة الأولى، يليها إرهاب السكان المحليين عبر القتل والاختطاف لإضعاف الثقة في الحكومات، بمجرد تحقيق السيطرة، يقدم التنظيم نفسه كبديل قادر على تقديم الخدمات الأساسية، مثل توزيع الغذاء وتوفير ما يسمى بـ"القضاء الشرعي"، مما يعزز ولاء السكان المحليين.  

هذا التمدد لم يكن تأثيره محصورًا على القارة الإفريقية فقط، بل له تداعيات عالمية خطيرة، تصاعد العنف في إفريقيا أدى إلى موجات نزوح ولجوء ضخمة، ما يفرض تحديات إنسانية على الدول المجاورة وأوروبا، استهداف داعش للقواعد العسكرية الأجنبية والبعثات الأممية في إفريقيا يهدد بشكل مباشر المصالح الدولية، ويزيد من مخاطر وقوع هجمات إرهابية عابرة للحدود، إضافة إلى ذلك، تعزيز التنسيق بين الجماعات الإرهابية تحت مظلة داعش يرفع من مستوى التهديد الأمني العالمي.  

مواجهة تمدد داعش في إفريقيا تتطلب استجابة شاملة تتجاوز الحلول العسكرية التقليدية، تعزيز الحوكمة المحلية في الدول المتضررة يجب أن يكون أولوية، من خلال تحسين قدرة الحكومات على تقديم الخدمات الأساسية وبسط الأمن في المناطق المهمشة، التنمية المستدامة تلعب دورًا محوريًا في تقليص أسباب التطرف، خاصة عبر الاستثمار في التعليم والبنية التحتية وتوفير فرص العمل للشباب، كما أن محاربة الجماعات الانفصالية التي تساهم في زعزعة استقرار الدول تعد جزءًا أساسيًا من مواجهة هذا التهديد، فالجماعات الانفصالية غالبًا ما تفتح الطريق أمام التنظيمات الإرهابية للعمل بحرية، مما يجعل التصدي لها ضرورة لاستعادة السيادة الوطنية وضمان الاستقرار.  

التعاون الإقليمي والدولي أمر بالغ الأهمية، حيث يمكن تشكيل قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب وتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، على الجانب الآخر، من الضروري مواجهة الفكر المتطرف عبر حملات إعلامية توعوية تعرض الروايات المضادة لدعاية التنظيم.  

ضرار هفتي، باحث في القانون العام والعلاقات الدولية*  

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق

انضم لقناتنا على تيليجرام