المداورة في ظل الضغط الدولي - جورنالك

0 تعليق ارسل طباعة

شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: المداورة في ظل الضغط الدولي - جورنالك ليوم الجمعة 24 يناير 2025 08:39 صباحاً

إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "جورنالك الاخباري" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.

بعد انتهاء الاحتفالات بانتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، ومع تسمية السفير نواف سلام لتشكيل حكومة العهد الأولى، بدأت الأحاديث تتصاعد حول توزيع الحقائب الوزارية وإطلاق أسماء المرشحين المحتملين، رافقها شعارات ومطالب، بعضها جديد، وبعضها الآخر بات عرفاً وهمياً يحلو للبعض استخدامه لحماية مصالحه الخاصة.

بعضهم رفع شعار المداورة في الوزارات، خاصة السيادية منها كما الخدماتية، ومنهم من ذهب أبعد من ذلك، مطالباً بالمداورة في وظائف الفئة الأولى في الإدارات والمؤسسات العامة، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية الذي تبنّى الطرح هذا في خطاب القسم، فيما يفضّل البعض إبقاء الأمور على حالها خشية من التغيير.

أم المداورات، هي وزارة المالية، هذه الوزارة التي تناوب على إدارتها وزراء مسلمون ومسيحيون ومن مختلف المذاهب، فمارونياً فقد كان تولاها كل من جهاد أزعور، دميانوس قطار وجورج قرم، فيما برز فيها أسماء كل من رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وفؤاد السنيورة وكان آخرهم محمد الصفدي من الطائفة السنية، لتكون آخر حصة الأرثوذكس مع الياس سابا، ليبدأ مع العام 2014 في حكومة تمام سلام مسار "تشييع" وزارة المال، لتتحول تدريجياً إلى ما يُشبه العرف غير المعلن، يقضي بتوليها من قِبَل ممثلين عن الطائفة الشيعية.

اليوم، ومع تصاعد الدعوات لاعتماد مبدأ المداورة في الحقائب الوزارية، خاصة السيادية، تتركّز الأنظار تلقائياً على المبنى الملاصق لمجلس النواب، حيث وزارة المالية، لمعرفة من سيكون "ساكن" الوزارة وحاكمها الجديد، على الأقل خلال السنتين المقبلتين. هذه الفترة ستكون العمر الافتراضي للحكومة المنوي تشكيلها، والتي ستتولى تنظيم الانتخابات النيابية المقبلة عام 2026، لتتحول بعدها إلى حكومة تصريف أعمال بانتظار إفراز مجلس النواب الجديد حكومة تعكس تفاعلات الشارع مع الأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدها لبنان في العامين الماضيين وتلك التي قد يشهدها في العامين المقبلين.

يشير الثنائي الشيعي إلى وزارة المالية على أنها وزارة "التوقيع الثالث"، بجانب توقيع رئيس الجمهورية والحكومة على المراسيم، ولكونها تُعتبر إحدى الوزارات الأربع السيادية، وهي لطالما كانت محوراً أساسياً في أي عملية تشكيل حكومي، لما تمثله من قوة رمزية وإدارية ترتبط بقرارات الدولة المالية وموازنتها.

أما الحقائب السيادية الأخرى، فهي وزارة الخارجيّة ذات الطابع الدبلوماسي، ووزارتا الدفاع والداخلية المعنيتان بالشؤون الأمنية، مما يجعلها دائماً محط أنظار الأطراف السياسية خلال مفاوضات تشكيل الحكومات.

ورغم أن مبدأ المداورة يُعتبر مطلباً عادلاً يُثير اهتمام الكثيرين، فإن الواقع اللبناني قد يفرض نفسه. فالمجتمع الدولي، الذي لعب دوراً مباشراً في انتخابات رئيس الجمهورية، والذي أخضع أكثرية الكتل النيابية، بما فيها كتلتي الثنائي الشيعي لضغوط وإغراءات وتوجيهات أو توصيات في خياراتهم الرئاسية، قد يواصل فرض شروطه على شكل الحكومة وأسماء أعضائها.

وفي هذا السياق، وقبل الدخول في خطة الحكومة وفي بيانها الوزاري وكلماته المنمقة، سؤال يفرض نفسه على الواقع اللبناني الحالي، إذا لم تكن وزارة المالية بيد الثنائي الشيعي، هل يتحمس هذا الثنائي، أو يقبل المجتمع الدولي بإسناد وزارة الدفاع الوطني، التي تعتبر الوزارة المسؤولة عن الإشراف على مؤسسة الجيش اللبناني، والتي من شأنها الإشراف على تطبيق القرار الدولي 1701 بشكله الجديد، إلى أحد وزراء الثنائي؟ وهل يقبل الغرب أو دول الخليج أن يكون وزير الخارجية، وهو وجه لبنان الدبلوماسي، من الثنائي الشيعي الذي يهاجم الخارج ويتهم كل من يجالس الغرب، ما عدا نفسه، بالعمالة؟ أو أن تُوكل وزارة الداخلية، بمؤسساتها الأمنية الحساسة وارتباطاتها الدولية، إلى وزير من هذا الثنائي؟.

اليوم، ومع التغييرات الإقليمية والدولية، قد تتباين مواقف مكونات الثنائي الشيعي، والتحديات القادمة ليست بالسهلة عليه، سواء شارك أم لا، فتبقى العبرة في إمكانية بقائه موحداً في مواجهة كل الاستحقاقات القادمة، فيما قد يختار أحد الطرفين الانفصال العضوي عن الآخر تحت وطأة الضغوط الدولية، أو سعياً للمشاركة في التسويات السياسية الإقليمية. كما من الممكن أن يلجأ الطرفان إلى توزيع الأدوار فيما بينهما، فيشارك أحدهما في الحكومة، بينما يبقى الآخر خارجها ويكون بذلك أطلق النار على نفسه تاركاً الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام المزيد من الضغوط الدولية لمحاصرته سياسياً، بعد محاصرته عسكرياً ومالياً في الفترة الأخيرة.

للأسف، وفي نهاية المطاف، تبقى تركيبة الحكومة المقبلة خاضعة للتجاذبات الداخلية والإقليمية، حيث سيكون للمجتمع الدولي الرأي الحاسم في اختيار الوزراء وتوزيع الحقائب، خصوصاً السيادية منها، بعدما أثبت العديد من الزعماء اللبنانيين أنهم غير قادرين على إدارة البلد بأنفسهم، وينتظرون إشارة من الخارج لتحديد مواقفهم الداخلية. وعليه، يبقى السؤال، هل ستُكسر القاعدة المستحدثة وغير الرسمية التي ربطت وزارة الماليّة بالطائفة الشيعية منذ 2014؟ أم أن التوازنات السياسية والطائفية ستُبقي هذا "العرف" قائماً؟ الإجابة رهن التوافقات السياسية المقبلة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق

انضم لقناتنا على تيليجرام