روائع النحت في دبي.. فنون تحلق بأجنحة الجمال والرسائل - جورنالك في الخميس 07:52 صباحاً

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: روائع النحت في دبي.. فنون تحلق بأجنحة الجمال والرسائل - جورنالك في الخميس 07:52 صباحاً اليوم الخميس 16 يناير 2025 07:52 صباحاً

تحتضن دبي الكثير من المنحوتات التي تجتذب النظر وترحل بالخيال إلى عوالم لا نهائية من الإبداع الساحر، ويقف المتذوق للفن أمامها مشدوهاً لروعة صنعتها، ومتفكراً في الموهبة الربانية التي أتاحت لأنامل الفنان المبدع أن يشكّل كتلة من الموسيقى الصامتة، والبلاغة التي لا تنبس ببنت شفة، لينشأ السؤال الملحُّ عن المعاني الكامنة وراء تلك الأحجار، والرسائل التي لا تتكشف بسهولة لأذهان الجماهير.

وأقيمت في دبي مؤخراً فعاليات «ملتقى دبي للنحت 2024»، حيث ضم 15 نحَّاتاً من مختلف البلدان ونخبة من القيّمين الفنيين، وكان لـ«جورنالك الاخباري» لقاءات مع عدد من الفنانين لتسليط الضوء على المنحوتات وجدلية الجمال والمعنى.

أفكار ذاتية

وأكدت الفنانة الإماراتية عزة القبيسي، التي تشارك في الملتقى بعمل فني عنوانه «قلب دبي.. سلسلة بين الخطوط»، أنه لا يمكن افتراض مغزى واحد من التفاعل مع المنحوتة الفنية لدى كل إنسان، موضحة أن من المتلقّين من يبدع أفكاراً ذاتية لا علاقة لها برسالة المبدع، ويجتهد من خلالها في تأويل الروعة الجمالية التي يراها في المنحوتة الفنية.

وذكرت القبيسي أن هناك فريقاً آخر من المهتمين بفن النحت يسلّط تركيزه على لُبّ الموضوع الذي تعبّر عنه المنحوتة مع توافر الدلالات الكافية على ذلك، مؤكدة أنها وكل الفنانين تستهويهم الآراء المتباينة في العمل الفني الواحد، سواء أكانت من داخل الموضوع أم خارجه؛ لأنه من غير المقبول فرض فكرة محددة على المتلقي.

وأوضحت أن الهدف الأساس من عملية الإبداع إتاحة المجال لرؤية مشاعر الفنان المتجسدة في العمل الفني، مشيرة إلى أن المتلقي المتابع لأعمال فنان بعينه يستطيع بسهولة اكتشاف أسلوبه الإبداعي الذي يميزه عن غيره.

ولفتت إلى أنه على الرغم من مشاركتها لأول مرة بمنحوتة حجرية لا معدنية كسائر أعمالها السابقة، فإنها حريصة على أن تُبدع بأسلوبها نفسه الذي اتسمت به كل منحوتاتها الفنية، مضيفة أن كل فنان له خاماته المفضلة التي تستحوذ على شغفه.

فلسفات مختلفة

وأكد الفنان الأردني كمال الزعبي، خبير الخزف وأحد القيّمين الفنيين في ملتقى دبي للنحت، أن المتلقي العربي قادر على التفاعل مع الأعمال الفنية التي يبدعها النحاتون على اختلاف فلسفاتهم، واستجلاء الرسائل الإبداعية التي تتضمنها، مشيراً إلى أن المنحوتة في حقيقتها هي كتلة وفراغ، وأن شكلها دائماً يجذب الجمهور.

وأوضح الزعبي أن ما نشاهده من التفاف الناس على اختلاف أعمارهم حول المنحوتات الفنية في كل مكان دليل على أن الجماهير بطبيعتها تميل إلى هذا اللون من الفن، لافتاً إلى قدرة المنحوتة الفنية على الصمود أمام عوامل الزمن، لا سيما إذا كانت حجرية.

وقال إن كثيراً من المنحوتات شكَّلت جزءاً من الذاكرة لدى البشر، وإن مواضع المنحوتات وأماكنها قد تكتسب أسماءها من تلك المنحوتات، مؤكداً أن داخل كل إنسان فناناً يمتلك شعوراً مرهفاً يتلقى به الإبداع البصري برؤيته الخاصة.

وأضاف أن ثمة تعدداً في قراءات العمل الإبداعي وطرائق تأويله، كما أن لكل فنان ثقافته المستقلة المستمدة من حضارة لها فلسفتها المميزة، موضحاً أن الموروث الثقافي للفنان يظهر بتفاصيله في كيفية تعاطيه مع المنحوتة التي يعمل على إبداعها.

قراءة تشكيلية

من جهته، أوضح الفنان المصري سعيد بدر، الذي يشارك في الملتقى بعمل فني عنوانه «بوابة المدينة»، أن السبب الذي يحول دون تفاعل البعض مع المنحوتات الفنية هو عدم الاعتياد على القراءة التشكيلية للأشياء، مشيراً إلى أن المجتمعات العربية بصورة عامة أقدر على تذوق الإبداع السمعي، كالموسيقى والغناء؛ كونه متجذراً في موروثنا الفكري والحضاري.

ولفت بدر إلى ضرورة أن يكون هناك اهتمام أكبر بتعزيز وعي الطفل العربي منذ مراحل تعليمه الأولى بإدراك الإبداع البصري، مؤكداً أن تنمية هذا الجانب في تنشئة أي إنسان تجعله أبعد ما يكون عن العشوائية، وأقدر على إدراك معنى الجمال في الطبيعة والعمارة والطب والتجارة والاقتصاد وسائر مجالات الحياة.

ونفى أن يكون تعدد قراءات العمل الفني عائقاً دون وصول رسالة المبدع إلى المتلقي، بل هو مصدر إثراء للإبداع، واصفاً مفهوم العمل الإبداعي بأنه ذريعة لتحقيق منظومة تشكيلية جمالية بعلاقات ونظام بصري يستمتع به أي إنسان.

وأكد أن للعمل الفني، وخاصة النحت، لغة ومفردات تتمثل في الخط والسطح والكتلة والفراغ والملمس والخامة واللون والنسبة والتناسب والنقلات بين الأسطح الحادة والمرنة، وأن حقيقة ما يؤديه النحَّات تبرز في صياغة جملة من تلك العناصر لا كأي جملة، مشبّهاً هذه الصنعة الإبداعية بصياغة بيت من الشعر اعتماداً على عناصر اللغة من ألفاظ وصور ووزن وقافية للوصول إلى رؤية جمالية متكاملة.

حرية تأويل

وأوضح الفنان السوري أكثم عبدالحميد، الذي يشارك في الملتقى بعمل فني عنوانه «تراكم ثقافي»، أن العمل النحتي الجميل هو الذي يلفت النظر ويترك المشاهد يتساءل ويفكر في تأويله بحسب ثقافته الخاصة، معرباً عن رفضه التام لفكرة وضع شروح تفسيرية سابقة لأي عمل فني معروض؛ لأن في ذلك مصادرة لرؤية المتلقي، وتقييداً لحريته في التعاطي مع الإبداع.

ووصف عبدالحميد المنحوتة بأنها عمل جمالي لا يلزم السؤال عن معناه، فهي أشبه بتغريد طائر؛ لأنها إبداع بصري وليست شعراً ولا نثراً، مشيراً إلى أن الغاية هي الاستمتاع بالعمل الفني لا البحث عن دلالاته المعنوية التي قصدها الفنان.

وأكد أن لكل فنان، بلا شك، فكرة محددة هي التي دعته إلى إبداع عمله الفني، لكنَّ تلك الفكرة هي في حقيقتها ومضة أو رؤية وليست بالضرورة معنى تعبيرياً، موضحاً أن فكرة الفنان قد تكون مجرد «فنتازيا» تقوده إلى تنفيذ منحوتته قبل أن يتعرَّف هو نفسه إلى ما تحمله من معنى.

ولفت إلى أن عقل الفنان وعاء يتسع لمئات الأفكار التي استوعبها من مشاهدة العديد من المنحوتات، وأنه في أثناء عملية الإبداع يصوغ حالة إنسانية تتجسَّد في المنحوتة التي يصنعها، مبيناً أن هذا التصوُّر هو الذي يجعل الفنان مميزاً في إبداعاته لا مقلّداً لسابقيه.