شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: كفانا انقسامًا - جورنالك ليوم السبت 18 يناير 2025 08:45 صباحاً
إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "جورنالك الاخباري" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.
ينطلق المسيحيون في أسبوع صلاة من أجل وحدتهم، معبّرين عن التوق الذي لا يزال حلمًا، فيما الواقع منفصل عنه، لأنه مرير ومؤلم. ثمانية أيّام تجتمع فيها الكنائس وتصلّي من أجل الوحدة التي صلّى الرب يسوع من أجلها قائلًا: "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي" (يوحنا 17: 21). ومع ذلك، لا تزال هذه الوحدة بعيدة المنال.
بعد أن سأل الرب من أجل حفظ المؤمنين من الشرير وقداستهم، طلب بلجاجةٍ من أجل وحدة الكنيسة. لن تتحقق هذه الوحدة إلا بطرد الشر، مسبب الخصومة والانقسام، والتمتع بالحياة المقدسة، واهبة الحب والوحدة.
شغل موضوع الوحدة قلب السيد المسيح، الذي طلبها من الآب. يود أن تكون الكنيسة مشابهةً في علاقتها الداخلية للعلاقة بين الآب والابن، الأمر الذي أكّد عليه السيد مرارًا في صلاته.
ليست الوحدة مجرّد كلمات بين الكنائس، بل إرادات تتلاقى في مساحات مشتركة تخصّ الإنسان المسيحيّ بعيدًا عن التعسّف اللاهوتي الجامد. لم يكن اللاهوت وحده في الأصل الأزمة، بل السلطة والصراع عليها. فالانقسام بين الشرق والغرب دار حول من يحكم مَن: هل البابا هو رأس الهرم، أم كما تقول الكنيسة الأرثوذكسية: الأول بين متساوين، كما كان الوضع في الألفيّة الأولى؟.
مع مرور الوقت، تعمّق الانقسام بسبب اختلافات جوهرية وعقائدية ولاهوتية. فلا يمكن تحقيق الوحدة في ظل تكبّر وتعصّب الرئاسات ورفض الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت بحق الكنيسة ومؤسسها الرب يسوع.
لقد تناسى المسيحيون أن دم الفداء واحد، والمعلم واحد، وماء المعمودية واحد. الطبيعي إذن أن نكون واحدًا، ليس في الشكل أو الظاهر، بل في الفكر والمحبة، "لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا" (1 بطرس 4: 8).
نشكر الله على أن التقارب بين المؤمنين من مختلف الطوائف سبق الوحدة على مستوى الرئاسات. ففي الشرق، تقلّصت الانقسامات نسبيًا بين الأرثوذكسية والكاثوليكية، بينما لا يزال التقارب مع البروتستانتية يحتاج إلى مزيد من الجهد. ومع ذلك، أُحرزت خطوات إيجابية نحو فهم مشترك بين الكنائس المشرقية والكنيسة الأرثوذكسية، مما أنهى عصرًا طويلًا من سوء التفاهم واستعاد شراكة تقوم على السلام.
لكن هذا التفاؤل يخرقه أحيانًا بعض التصرفات التي يقوم بها كهنة وقساوسة مستغلين الضائقة المادية أو جهل المؤمنين. على سبيل المثال، عادت مؤخرًا ظاهرة "المناولة الأولى" أو "المناولة الاحتفالية" إلى الرعايا بعد إلغائها من المدارس. يبرر البعض ذلك بأن الأطفال الأرثوذكس لا يدركون قيمتها قبل بلوغهم سنًّا معينًا. مثل هذه التصرفات تُجبر الكنائس الأرثوذكسية على اتخاذ مواقف دفاعية.
الوحدة بين المسيحيين لا تعني أبدًا إلغاء التنوع أو خصوصية كل كنيسة، بل تستوجب الاحترام المتبادل لطقوس وهيكلية كل كنيسة. حتى توحيد موعد عيد الفصح لا يعني بالضرورة الوحدة. في الغرب، يحتفل البروتستانت والكاثوليك بالفصح معًا، ومع ذلك تبقى الخلافات اللاهوتية بينهم عميقة.
قد تكون لأنطاكية مساهمة جديدة في تقارب الكنائس المسيحية، إلا أنّ طريق الوحدة لا بد أن تكون طريق الصراحة والصدق والمحبّة بلا رياء أو اقتناص.
التعصّب يولد تعصّبًا، والفوقية لا تنفع، والتقوقع غير صحي. الوحدة الحقيقية ترتكز على ثباتنا في المسيح الواحد وتمتّعنا بعطية المجد الإلهي.
ما من وحدة دون الاعتراف بالأخطاء التاريخية التي ارتُكبت، والجروح التي سببتها الرئاسات لجسم الكنيسة. خارج هذه الحقيقة، لا يمكن تحقيق وحدة مسيحية حقيقية. يبقى الرجاء في تدخّل الرب يسوع، لأن: "غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ" (لوقا 18: 27).
علّمنا يوحنا الإنجيلي بقوله: "بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ" (1 يوحنا 4: 13). فلنعد إلى روحية المسيح، وكل شيء يصبح ممكنًا.