نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء: هل تعزز السياسات الحكومية اقتصاد الريع؟ - جورنالك اليوم الأربعاء 22 يناير 2025 11:42 صباحاً
رغم إعلان الحكومة عن سلسلة من التدابير الرامية إلى الحد من ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، إلا أن هذه المادة الأساسية لا تزال تشهد زيادات متواصلة تثقل كاهل المواطن المغربي. فقد أصبح الكيلوغرام من اللحوم الحمراء يصل في بعض الأسواق إلى ما بين 110 و130 درهمًا، وهو ما يكشف عن خلل في آليات ضبط السوق ويدفع للتساؤل عن جدوى التدابير الحكومية وتأثيرها الحقيقي على الأسعار.
تؤكد معطيات مهنية أن أسعار اللحوم في المجازر الكبرى شهدت انخفاضًا طفيفًا في الأسابيع الأخيرة، حيث بلغ سعر الكيلوغرام من اللحوم المستوردة من البرازيل حوالي 70 درهمًا ومن إسبانيا وأوروبا 80 درهمًا، في حين يصل سعر اللحوم المحلية إلى 87 درهمًا. ومع ذلك، تباع هذه اللحوم في أسواق التقسيط بأسعار تتجاوز 110 دراهم، ما يعكس هوامش ربح تصل أحيانًا إلى 40 درهمًا للكيلوغرام الواحد.
هذا التفاوت الكبير بين أسعار الجملة والتقسيط يعكس مدى هيمنة المضاربين والوسطاء الذين يستغلون ضعف الرقابة لتحقيق أرباح مفرطة، وهو ما أكدته تقارير مهنية تشير إلى أن بعض الوسطاء يضاعفون الأرباح على حساب المستهلك، في محاولة لخفض الأسعار أعلنت الحكومة عن جملة من التدابير من بينها تعليق الرسوم الجمركية على استيراد الأبقار واللحوم الحمراء واستيراد حوالي 885 ألف رأس ماشية بالإضافة إلى 40 ألف طن من اللحوم المستوردة. ورغم ذلك، لم تنعكس هذه الإجراءات على الأسعار النهائية للمستهلك التي ظلت في مستويات مرتفعة، وفقًا لتصريحات رسمية تهدف هذه السياسات إلى مواجهة التحديات المرتبطة بالجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف. إلا أن غياب آليات فعالة للرقابة والتوزيع حال دون تحقيق الأثر المرجو مما جعل هذه التدابير تبدو وكأنها حلول مؤقتة لا تعالج جذور الأزمة.
تتعدد الأسباب التي تقف وراء استمرار ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في المغرب ومنها الجفاف وتراجع الإنتاج المحلي، حيث يعاني المغرب من موجة جفاف متواصلة أثرت بشكل كبير على تربية الماشية والإنتاج المحلي. تشير تقارير وزارة الفلاحة إلى انخفاض كبير في أعداد القطيع حيث انخفض عدد رؤوس الأبقار بنسبة تتجاوز 30 في المائة خلال العامين الماضيين. كما ارتفعت أسعار الأعلاف بنسب تتراوح بين 50 و70 في المائة في السوق المحلي وهو ما أثر على تكلفة الإنتاج وأدى إلى انسحاب العديد من المربين الصغار من السوق.
يعتبر المضاربون السبب الرئيسي في الفجوة بين أسعار الجملة والتقسيط حيث يفرضون هوامش أرباح كبيرة مستغلين غياب الرقابة. كما أن ضعف الدعم الحكومي المباشر للفلاحين، رغم إعلان الحكومة عن دعم القطاع الفلاحي، أدى إلى استمرار معاناة الفلاحين الصغار الذين لا يزالون يواجهون صعوبات في الحصول على الدعم المخصص لتربية الماشية.
السياسات الحكومية الحالية في تدبير قطاع اللحوم الحمراء تسهم كذلك في توسيع اقتصاد الريع وتعميق الفوارق بين الفلاحين الصغار والكبار. ففي حين يستفيد كبار الفلاحين والمستثمرين في القطاع الفلاحي من الامتيازات والدعم الموجه للاستثمار أو استيراد اللحوم والمواشي، يجد الفلاحون الصغار أنفسهم غارقين في الديون ومرهقين بارتفاع تكاليف الأعلاف والانتاج. هذا الوضع يؤدي إلى انسحاب العديد من المربين الصغار من السوق وترك المجال مفتوحًا أمام هيمنة كبار المستثمرين والمضاربين، ما يزيد من تركيز الثروة في يد فئة صغيرة ويعزز الفوارق الاجتماعية.
بلغت واردات المغرب من اللحوم الحمراء حوالي 40 ألف طن خلال العام 2024 في محاولة لتغطية الطلب المحلي المتزايد. كشفت تقارير رسمية أن استهلاك اللحوم الحمراء في المغرب انخفض بنسبة 20 في المائة خلال الأشهر الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار. يشير تقرير صادر عن وزارة الفلاحة إلى أن معدل استهلاك الفرد المغربي للحوم الحمراء يبلغ 14 كيلوغرامًا سنويًا وهو أقل بكثير من المعدل العالمي الذي يصل إلى 43 كيلوغرامًا.
تُظهر هذه الأزمة أن السياسات الحكومية الحالية غير كافية لمعالجة التحديات الهيكلية التي يواجهها قطاع اللحوم الحمراء. فالتدابير المعلنة تبدو وكأنها حلول ترقيعية تفتقر إلى رؤية استراتيجية شاملة، لمعالجة الأزمة ينبغي على الحكومة اعتماد مقاربة شاملة تشمل تعزيز الدعم المباشر للمربين الصغار من خلال توفير الأعلاف بأسعار مدعمة وتحفيز الإنتاج المحلي. كما يجب تحسين الرقابة على سلسلة التوزيع لضمان وصول اللحوم إلى المستهلك بأسعار معقولة. يستدعي الوضع أيضًا الاستثمار في البنية التحتية الفلاحية لتطوير تربية الماشية واعتماد تقنيات حديثة لرفع الإنتاجية وتشجيع التعاونيات الفلاحية لتعزيز دور الفلاحين الصغار وتقليل الاعتماد على الوسطاء.
أخيراً وفي ظل استمرار ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء يصبح من الضروري إعادة النظر في السياسات الحكومية وتكثيف الجهود لضمان وصول تأثير التدابير المتخذة إلى المستهلك النهائي. تعزيز الرقابة وتفعيل آليات أكثر فعالية لضبط الأسعار هو السبيل الوحيد لحماية القدرة الشرائية للمواطن المغربي.