نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: عاجل - مذكرة الاعتقال بحق نتنياهو: نقطة تحوّل تاريخية واختبار لمصداقية المحكمة الجنائية الدولية - جورنالك اليوم السبت الموافق 23 نوفمبر 2024 09:28 صباحاً
كتب كابتن اسامه شقمان - في تطوّر قد يكون الأبرز في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، صدرت مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بتهم تتعلق بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان. هذه الخطوة التي تبدو جريئة وغير مسبوقة تُعدّ نقطة اختبار ليس فقط للمحكمة الجنائية الدولية، ولكن أيضًا للمنظومة الغربية التي ترفع شعار "العدالة الدولية" بانتقائية مفضوحة.
ازدواجية المعايير في الغرب
يظهر النفاق الغربي بجلاء عند مقارنة التعامل مع القضايا المختلفة التي تطرحها المحكمة الجنائية الدولية. مذكرة الاعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2023 كانت بمثابة تأكيد على ازدواجية هذه المعايير؛ حيث سارعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى تأييد هذه الخطوة والتركيز على مسؤولية بوتين عن الوضع في أوكرانيا، رغم أن الولايات المتحدة نفسها ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية وترفض إخضاع مواطنيها أو جنودها لأي مساءلة قانونية دولية.
في المقابل، نجد صمتًا مريبًا وإحجامًا متعمّدًا عن التعامل بحزم مع انتهاكات إسرائيل المستمرة منذ عقود بحق الفلسطينيين. جرائم الحرب الموثّقة، كالقصف العشوائي على المدنيين في غزة، والاعتقالات التعسفية، والاستيطان غير القانوني، لم تلقَ أي اهتمام جاد من المحكمة الجنائية الدولية أو الحكومات الغربية.
القضية الفلسطينية: اختبار مصداقية العدالة الدولية
تعتبر الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني واحدة من أكثر القضايا وضوحًا في انتهاكها للقانون الدولي الإنساني. ومع ذلك، فإن الإدانات الدولية تظلّ أقرب إلى الخطابات السياسية الخالية من أي إجراء عملي. في هذا السياق، تُعدّ مذكرة الاعتقال ضد نتنياهو اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام المحكمة الجنائية الدولية بمبدأ عدم الإفلات من العقاب، مهما كان نفوذ الجاني أو مكانته السياسية.
إن مقارنة هذه القضية مع مذكرة الاعتقال بحق الرئيس السوداني السابق عمر البشير تظهر التناقض الصارخ. كانت مذكرة البشير في 2009، المتعلقة بجرائم دارفور، محور تحركات غربية واسعة للضغط على السودان سياسياً، في حين ظلّت الجرائم الإسرائيلية تُعامَل بمنطق "الحصانة غير المعلنة".
الخوف من الصهيونية العالمية وتأثيرها
أحد الأسباب الرئيسية لهذا التناقض هو النفوذ الهائل للصهيونية العالمية في دوائر السياسة والإعلام الغربية. يشكّل اللوبي الصهيوني قوة ضاغطة في الولايات المتحدة وأوروبا، قادرة على توجيه الأجندة السياسية لصالح إسرائيل، حتى عندما تتعارض مع القوانين الدولية. هذا النفوذ يجعل من المستحيل تقريبًا اتخاذ أي إجراء فعلي ضد قادة إسرائيل، بغض النظر عن طبيعة الجرائم المرتكبة.
عندما أُعلن عن مذكرة اعتقال بوتين، اندفعت وسائل الإعلام الغربية لتأييد الخطوة باعتبارها "انتصارًا للعدالة"، بينما غابت حتى النقاشات الجادة حول محاسبة إسرائيل على جرائمها. هذه المواقف المزدوجة تكشف أن المسألة لا تتعلق بتطبيق القانون الدولي بقدر ما ترتبط بالأجندات السياسية والخضوع للنفوذ الصهيوني.
الولايات المتحدة: حامي إسرائيل وشريك في النفاق
تلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًا في تعطيل أي جهد دولي لمحاسبة إسرائيل. فمن خلال استخدامها المتكرر لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، تُجهض واشنطن كل محاولات إدانة الاحتلال الإسرائيلي أو اتخاذ خطوات ملموسة لمعاقبته. بالإضافة إلى ذلك، توفر الولايات المتحدة الدعم المالي والعسكري غير المحدود لإسرائيل، مما يعزز مناعة الأخيرة أمام أي مساعٍ للمساءلة.
اللافت هنا أن الولايات المتحدة نفسها متورطة في جرائم حرب، كما هو الحال في العراق وأفغانستان، لكنها محصّنة ضد المحاسبة الدولية بفضل رفضها الاعتراف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي، فإن موقفها المنافق يجعل من المحكمة أداةً سياسية تُستخدم فقط ضد الدول التي تقع خارج دائرة الحلفاء الغربيين.
الجنائية الدولية: بين المصداقية والضغوط السياسية
تشكل مذكرة الاعتقال ضد نتنياهو تحديًا هائلًا للمحكمة الجنائية الدولية، التي تُتهم بأنها تعمل تحت تأثير القوى الكبرى. إذا نجحت المحكمة في المضي قدمًا بهذه القضية، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العدالة الدولية، حيث لا يكون النفوذ السياسي حاجزًا أمام المحاسبة. أما إذا خضعت المحكمة للضغوط الغربية، فإن ذلك سيكون بمثابة تأكيد آخر على أنها أداة انتقائية تُستخدم لتصفية الحسابات السياسية، وليس لتحقيق العدالة الحقيقية.
الخلاصة: فرصة لتصحيح المسار
إن إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ليس مجرد خطوة قانونية، بل هو اختبار لمصداقية منظومة العدالة الدولية بأكملها. لتحقيق العدالة، يجب أن تكون القوانين الدولية محايدة وغير خاضعة للضغوط السياسية أو المصالح الضيقة.
الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، مطالبة بمراجعة مواقفها والنظر إلى انتهاكات حقوق الإنسان بمنظور متساوٍ، بعيدًا عن ازدواجية المعايير. أما المحكمة الجنائية الدولية، فهي أمام مفترق طرق؛ إما أن تثبت استقلاليتها وتلاحق نتنياهو بجدية، أو تثبت للعالم أنها ليست سوى أداة أخرى بيد القوى الكبرى.
حتى ذلك الحين، سيظل النفاق الغربي والخوف من الصهيونية العالمية عائقين أساسيين أمام تحقيق العدالة الحقيقية في العالم.
.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق