نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الخدعة الأمريكيّة الجديدة و"شَرْفَتَةُ" جنوب لبنان! - جورنالك اليوم الثلاثاء الموافق 26 نوفمبر 2024 04:33 مساءً
كتب: كمال ميرزا
آخر التسريبات حول اتفاق وقف إطلاق النار المزعوم بين الكيان الصهيونيّ والمقاومة الإسلاميّة في لبنان، تتحدّث عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بـ "المساعدة" في الإشراف على وقف الأعمال العدائيّة لمدة 60 يوماً، وذلك من خلال "نشر" قوّات أمريكيّة جنوب لبنان "تنسحب" بعد استكمال الانتشار المُفترَض للجيش اللبنانيّ في الجنوب!
إذا عُرِفَ السبب بَطُلَ العجب!
أمريكا تبحث عن موطئ قدم لها في جنوب لبنان، وتحقيق ما عجزت عنه على مدار عقود (هل تذكرون تفجير مبنى المارينز في بيروت سنة 1983؟)، وذلك في سيناريو مشابه لما قامت به شرق الفرات في سوريا مع اختلاف الديباجات والتفاصيل والذرائع.
هذا الأسلوب الأمريكي يمكن أن نطلق عليه اسم "شَرْفَتَة"، من "شرق الفرات"، على وزن "فعللة"!
الآن عرفنا سرّ اللوثة تجاه اتفاق وقف إطلاق النار المزعوم على الجبهة اللبنانيّة، وتدفّق التصريحات والأنباء الإعلاميّة عنه وكأنّه مسألة محسومة وتحصيل حاصل وسيدخل حيّز التنفيذ في أي لحظة، دون الالتفات حتى إلى موقف المقاومة اللبنانيّة أو انتظار كلمتها النهائيّة بهذا الخصوص، وكأنّ الاتفاق حاصل حاصل وافقت المقاومة أم لم توافق، أو أنّ الاتفاق سيُفرَض على المقاومة بـ "التوريط" من خلال الإعلان عن إبرامه ودخوله حيّز التنفيذ ولو من طرف واحد، ومن ثمّ فلتقُم المقاومة بنفي ذلك ودحضه والوقوف في وجهه والدفاع عن موقفها بهذا الخصوص إن استطاعت!
والآن عرفنا سرّ هذه الثقة المفاجئة بالجيش اللبنانيّ مع أنّه يفتقر إلى الحدّ الأدنى من الإمكانات والمقوّمات التي تخوّله الاضطلاع بمهمة تأمين اتفاق وقف إطلاق النار بالاتجاهين؛ فضعف الجيش اللبنانيّ هنا هو عين قوّته وفق هذا السيناريو، فما تريده أمريكا من الجيش اللبنانيّ هو فقط "الشرعيّة" و"الغطاء"، أمّا ضعف هذا الجيش فهو الذريعة لبقاء القوّات الأمريكيّة إلى ما شاء الله من أجل تعويض هذا الضعف ومدّ يد العون!
والآن عرفنا سرّ هذا الاستهداف لما تُسمّى قوّات (اليونيفيل) جنوب لبنان ودفعها لإخلاء مواقعها؛ فالمطلوب هو استبدال هذه القوّات ذات الصبغة الأمميّة (ولو ظاهريّاً)، والتي لا بدّ أن تراعي توازنات القوى داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولو في حدودها الدنيا، ومضطرة للعمل تحت مظلّة ميثاق الأمم المتحدة.. وإحلال قوّات أمريكيّة مكانها لا تأتمر بأمر أحد، وتحيّد أي وجود أو نفوذ آخر في لبنان، وباعها طويل في انتهاك القانون الدوليّ والشرعيّة الدوليّة متى اقتضت المصلحة الأمريكيّة ذلك دون أن يجرؤ أحد على مساءلتها أو محاسبتها.
هذا المؤامرة التي تحاك تحت مسمّى حقن الدماء ووقف الدمار تعيد التأكيد على عدّة مسائل أساسيّة:
أولاً: أنّ حرب الإبادة والتهجير التي تُشَن على الشعب الفلسطينيّ وعلى كافة جبهات إسناده، هي في حقيقتها حرب أمريكيّة في المقام الأول، وتأتي استكمالاً لمسار يمتد من "الشرق الأوسط الجديد"، إلى "الفوضى الخلّاقة"، إلى ثورات "الربيع العربيّ" البرتقالية، إلى "صفقة القرن"، إلى بركات "السلام الاقتصاديّ" الموعود.. والتي تهدف جميعها إلى إعادة إنتاج الهيمنة الأمريكيّة على المنطقة لعقود قادمة، وإدامة النهب الأمريكيّ المُمنهج لمقدّرات المنطقة وثرواتها، وحماية المصالح الأمريكيّة (أي مصالح الشركات والبنوك والصناديق السياديّة وعائلات المال والأعمال) في وجه القوى والتكتلات المنافسة الصاعدة إقليميّاً ودوليّاً.
ثانيّاً: كجيب استعماريّ وظيفيّ أسّسه المشروع الرأسماليّ الإمبرياليّ الصهيونيّ الأنجلو ـ سكسونيّ الغربيّ لرعاية مصالحه في المنطقة، فإنّ الكيان الصهيونيّ المُسمّى "إسرائيل" هو مجرد "أداة" في إطار السيناريو أعلاه، وما يقوم به "نتنياهو" وعصابة حربه هي "مهمّة" ينفذونها بالوكالة لمصلحة أمريكا رغم نتائجها الكارثيّة على المدى البعيد على ما تسمّى "دولة إسرائيل"، والخطاب الدينيّ هو مجرد بروبوغندا دعائيّة تُستخدم من أجل اختلاق الذرائع والشحن والتحريض والتحشيد وتزييف الوعي وتمويه جوهر الصراع وغاياته الحقيقيّة.
ثالثاً: هذه الخدعة الأمريكيّة الجديدة، والتي تأتي بعد تعمّد أمريكا إطالة أمد القتال والإبادة والدمار كلّ هذه المدّة.. تنسجم مع الإستراتيجيّة الأمريكيّة القذرة والمجرّبة، والقائمة على ترك جميع القوى على الأرض تنهك بعضها البعض، وتستنزف بعضها البعض، وتستنفد مواردها وإمكاناتها وأوراقها إلى أقصى حدّ ممكن، ثمّ يأتي "القاشوش" الأمريكيّ ليبتّز الجميع و"يقشّ الطاولة" ويجيّر الواقع والوقائع الجديدة لنفسه.
رابعاً: الخدعة التي تسعى أمريكا لتمريرها في جنوب لبنان تعطينا مؤشّراً لطبيعة أي اتفاق أو هدنة يمكن أن تسمح بها أمريكا مستقبلاً لوقف إطلاق النار والتهدئة في غزّة. بكلمات أخرى، التسوية الوحيدة التي يمكن أن ترضى بها أمريكا هي التسوية التي تمنحها موطئ قدم في غزّة، وتجعل القطاع برمّته بموقعه وثرواته ومقدّراته خاضعاً للسيطرة الأمريكيّة المباشرة التي تجثم متربعةً فوق صدور الجميع.. أو باختصار "شرفتة" القطاع!
طبعاً تنفيذ مثل هذه السيناريوهات يستدعي وجود وكلاء وسماسرة و"قطاريز" لأمريكا على الأرض، ومن هنا تأتي الجهود الأمريكيّة الحثيثة على مدار العقدين الأخيرين لترقية الدور الوظيفيّ لبعض الأنظمة العربية لتكون بمثابة "إسرائيلات" جديدة تحلّ محل "إسرائيل" القديمة التي تفقد شيئاً فشيئاً ميزاتها التفضيليّة، وتستنفد الغرض منها، وتتحوّل إلى عبء على رعاتها وداعميها.
ومن هنا أيضاً تأتي الجهود الأمريكيّة لتربية قوى ونخب وأجيال عربية تدين لها بالانبهار والولاء والتبعيّة عبر "التبادل الثقافي" و"التعاون المشترك" و"المجتمع المدنيّ" و"التطبيع"، أو ما يمكن تسميته بـ "صهينة" المجتمعات العربية، وجعل العرب بمثابة "مستوطنون جُدد" فوق "تراب وطنيّ" مُباع أو مرهون لا يملكونه حقيقةً!
يا ترى ماذا سيكون ردّ فعل المقاومة ومجمل محور الممانعة على هذه الخدعة الأمريكيّة القذرة الجديدة؟ سيما وأنّ المقاومة قد عوّدتنا منذ إنطلاق معركة "طوفان الأقصى" المباركة أن تكون متقدّمة بخطوة أو خطوتين على حيل العدو ومناوراته، وتحييد سفالات السياسة وقذارات الكواليس والغرف المغلقة من خلال جعل الكلمة الأولى والأخيرة لـ "الميدان"!
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق