القطاع الصحي : بين صرخات الاحتقان وغياب الحلول الجذرية - جورنالك

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: القطاع الصحي : بين صرخات الاحتقان وغياب الحلول الجذرية - جورنالك اليوم السبت 30 نوفمبر 2024 11:44 صباحاً

18 ساعات 3 دقيقة مضت

عبد الحكيم العياط

واقع القطاع الصحي : أرقام تكشف الأزمة

القطاع الصحي يشهد أزمة مستفحلة تعكسها الأرقام والبيانات الرسمية. وفقًا لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لعام 2023، يُظهر النظام الصحي فجوة واضحة في عدد الأطباء والممرضين. فعلى سبيل المثال، يبلغ معدل الأطباء في المغرب 7 لكل 10,000 نسمة، مقارنة بـ 23 طبيبًا في فرنسا و33 طبيبًا في ألمانيا. هذا العجز لا يقتصر على الأطباء فقط، بل يمتد إلى الأطر التمريضية، حيث أشارت وزارة الصحة إلى حاجة البلاد إلى نحو 30,000 ممرض وتقني صحي لتلبية احتياجات المرافق الصحية.

الأزمة تتفاقم بشكل خاص في المناطق القروية التي تفتقر إلى المرافق الصحية الأساسية، مما يدفع السكان إلى التنقل لمسافات طويلة للحصول على العلاج. ويزيد الأمر سوءًا عدم توفر الأدوية الأساسية في عدد من المستشفيات والمراكز الصحية، وهو ما أشار إليه تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي كشف أن 40% من المرافق الصحية تعاني نقصًا حادًا في التجهيزات والأدوية، ما يضع حياة المرضى على المحك.

غياب التغطية الصحية الشاملة

رغم إعلان الحكومة عن تعميم التغطية الصحية بحلول 2025، إلا أن الواقع يشير إلى تأخر واضح في تحقيق هذا الهدف. فحسب معطيات هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، ما يزال 40% من المغاربة خارج نظام التأمين الصحي، خصوصًا في الأوساط الهشة والمناطق النائية. هذه الفئة تعتمد بشكل كبير على الخدمات الصحية العمومية، والتي تعاني من اكتظاظ كبير ونقص في الخدمات، ما يضطر العديد من الأسر إلى اللجوء للقطاع الخاص رغم التكاليف الباهظة.

بالإضافة إلى ذلك، يشير خبراء إلى أن نظام التغطية الصحية الحالي يعاني من تحديات هيكلية، منها ضعف الموارد المالية والبيروقراطية الإدارية. فرغم محاولة تعميم التغطية الصحية تبقى القدرة على الوصول إلى العلاجات المتخصصة محدودة للغاية، حيث يتعين على المرضى الانتظار لشهور لإجراء فحوصات أو عمليات جراحية مستعجلة.

احتجاجات الأطر الصحية: مطالب لا تجد آذانًا صاغية

تصاعدت موجات الاحتجاج داخل القطاع الصحي، حيث شهدت سنة 2024 إضرابًات واسعًة شاركت فيها معظم النقابات الصحية. احتجاجات الأطباء والممرضين والتقنيين لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة تراكمات طويلة الأمد، بدءًا من ظروف العمل القاسية وغياب التحفيزات المادية وصولًا إلى الطرد من نظام الوظيفة العمومية .

يشير بيان صادر عن النقابات الصحية إلى أن أكثر من 70% من الأطر الصحية يعملون في ظروف غير إنسانية، تتسم بالاكتظاظ ونقص المعدات الطبية، مما يعرضهم لضغوط نفسية وجسدية هائلة. كما تطالب النقابات بضرورة مراجعة القوانين الاخيرة للمنظومة الصحية والتي أخرجت مهنيي الصحة من نظام الوظيفة العمومية .

أحد أبرز مطالب المحتجين هو توفير الحماية القانونية للأطر الصحية، إذ إن الاعتداءات داخل المستشفيات أصبحت ظاهرة متكررة، حيث سجلت وزارة الصحة أكثر من 150 حالة اعتداء في سنة واحدة فقط. هذه الاعتداءات لا تقتصر على العاملين بالمستشفيات الكبرى، بل تشمل أيضًا المراكز الصحية القروية التي تفتقر إلى أبسط وسائل الحماية.

الميزانية الصحية: أرقام غير كافية لتغطية الاحتياجات

رغم تخصيص الحكومة مبلغ 24 مليار درهم للقطاع الصحي في مشروع قانون المالية 2024، إلا أن هذا الرقم لا يزال بعيدًا عن تلبية الاحتياجات المتزايدة. يمثل هذا المبلغ حوالي 6% فقط من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو ما يضع المغرب في مرتبة متأخرة مقارنة بدول الجوار التي تتجاوز فيها نسبة الإنفاق على الصحة 10%.

النقص في الميزانية يؤثر بشكل مباشر على قدرة المستشفيات على تقديم خدماتها. فعلى سبيل المثال، تعاني العديد من المستشفيات من توقف أجهزة طبية ضرورية، مثل أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي وأجهزة بيوطبية اخرى. بالإضافة إلى ذلك، يُخصص جزء كبير من الميزانية لتغطية النفقات الإدارية بدلًا من الاستثمار في البنية التحتية أو اقتناء المعدات الطبية الحديثة.

الإصلاح أم الترقيع؟ مستقبل النظام الصحي على المحك

تتزايد الأصوات المطالبة بضرورة إصلاح جذري للمنظومة الصحية، يتجاوز الحلول المؤقتة التي تركز على معالجة الأعراض بدلًا من الأسباب. من بين المقترحات التي يُنادى بها: إعادة هيكلة القطاع من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل الجهوية الصحية لضمان عدالة توزيع الموارد.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يلعب تشجيع الكفاءات المغربية المهاجرة دورًا حاسمًا في تحسين القطاع. فحسب دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، يوجد حوالي 14,000 طبيب مغربي يعملون بالخارج، غالبيتهم في أوروبا. هؤلاء الأطباء يمكن أن يكونوا ركيزة أساسية لتحسين الخدمات الصحية إذا توفرت الظروف المناسبة لعودتهم.

وفي الأخير فإن أزمة القطاع الصحي في المغرب ليست وليدة اليوم، بل هي نتيجة لسنوات من الإهمال وضعف التخطيط الاستراتيجي. المطلوب اليوم هو إرادة سياسية قوية وجريئة لاتخاذ خطوات حاسمة، تشمل زيادة الاستثمار في الموارد البشرية والتجهيزات، وتحسين ظروف العمل. دون ذلك، سيظل القطاع الصحي يعاني من الاحتقان، وسيدفع المواطن المغربي الثمن الأكبر من صحته ومستقبله.

 

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق