نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: في ذكرى رحيل جيزيل خوري الأولى تبقى رمزًا إعلاميًا لا يُنسى و"سيدة الحوار" التي واجهت كبرى الشخصيات - جورنالك اليوم الخميس 12 ديسمبر 2024 03:55 مساءً
في زوايا الإعلام العربي، تبقى جيزيل خوري رمزًا إعلاميًا لا يُنسى، "سيدة الحوار" التي لم تتردد يوماً في مواجهة الشخصيات الكبرى بأسئلة جريئة ومباشرة. قبل عام، غابت خوري عن الساحة لكن إرثها لا يزال يتردد صداه في قلوب الملايين.
رحلت خوري عن المشهد الإعلامي في لحظة حرجة تمر بها المنطقة، إذ كانت الحاجة ماسة إلى صوت إعلامي مخضرم يسلط الضوء على الجوانب السياسية والإنسانية في القضايا المتصاعدة. إذ توفيت في الأسابيع الأولى من حرب غزة التي اندلعت شرارتها الأولى في السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، وما زالت مستمرة حتى اليوم.
تأتي الذكرى الأولى لوفاة جيزيل خوري فرصةً لنستعيد لحظات مميزة من مسيرتها، ونستكشف كيف أسهمت "سيدة الحوار" كما أطلق عليها جمهور الإعلاميين والصحفيين - في تشكيل مسارات السياسة والإعلام.
بدأت جيزيل خوري مسيرتها المهنية في الثمانينات، بعد أن أنهت تعليمها في الأدب والإعلام من الجامعة اللبنانية، وعلم التاريخ من جامعة الروح القدس في الكسليك في جبل لبنان.
عملت جيزيل خوري في الصحافة المكتوبة قبل أن تبدأ أولى خطواتها التلفزيونية مع المؤسسة اللبنانية للإرسال، من خلال إعدادها برنامج "حوار العمر" وتقديمه عام 1992. استضافت فيه، على مدى أربعة أعوام ونصف، 220 شخصية لبنانية وعربية ودولية، قبل أن يتوقف عن الهواء، وتعيد القناة إحياءه تحت اسم "اليوم الثامن" عام 2001.
وخاضت تجربة "اليوم الثامن" تزامناً مع سلسلة تطورات شهدها العالم العربي وبخاصّة عودة ياسر عرفات إلى الضفة الغربية وإقامة السلطة الوطنية الفسطينية، لكن البرنامج لم يستمر طويلاً.
قدمت جيزيل خوري في "حوار العمر" أرشيفاً مميزاً من المقابلات، ليس فقط على صعيد السياسية، بل الفن والثقافة.
وفي تلك الفترة، التي تعد ثورة في عالم التلفزيون العربي، قدّم "حوار العمر" جيزيل خوري للجمهور، فاستضافت شخصيات لم يكن الجمهور العربي قد تعرف عليها جيداً بعد، على رأسها المخرج السينمائي يوسف شاهين، والشاعر المعاصر سعيد عقل ودريد لحام وماجدة الرومي وجوزيف حرب ومنير بشير وغيرهم.
أما الحلقة التي حققت شهرة خوري حينها، كانت مع الكاتب والملحن والمسرحي زياد الرحباني، "الجدلي" بطبعه، إذ يصعب على إعلاميين كثر السيطرة على شخصية الرحباني ووضعها في الإطار التلفزيوني المناسب، وهي واحدة من حلقات لا تزال مفتوحة أمام الجمهور على منصة "يوتيوب".
حظيت جيزيل خوري بإشادة جماهيرية وإعلامية واسعة، بعد حلقتين من الحوار مع الرحباني، إذ استطاعت وضع الحلقة في إطار ما وُصف حينها بـ"مسرحية تلفزيونية تهريجية في الاستديو".
فتحت جيزيل خوري في سنواتها الأولى، وبخاصة التسعينيات، ملفات الحرب اللبنانية، التي كانت حينها "تابوهات" لا يمكن لكثير من التلفزيونات، وبخاصة اللبنانية، التطرق لها.
أما عن أحد المواقف التي روتها خوري، تقول إنها كانت رافضة لفكرة إجراء حوار مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة؛ إذ كان من المقرر أن يقف بوتفليقة فوق منبر يعلوها بدرجة كبيرة فيما تجلس هي على طاولة أسفل المنبر، وهذا ما رأته غير لائق.
لكن ما أفضى إلى إجراء الحوار، هو تنفيذ الرئيس الجزائري لرغبتها وإجراء الحوار بالشكل الذي تريده.
وعلى شاشة "إل بي سي"، تنوعت إطلالات جيزيل، فقدمت برامج مختلفة، نذكر منها: أسبوعيات، المميزون، دار الفنون، لكل حادث حديث، نادي المواهب، وغيرها من البرامج، فضلاً عن حوارات خاصّة تبثها القناة ويتصدر فيها اسم "جيزيل" قائمة المحاورين، كما في لقاء أجرته مع الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، إذ انتهى بعده مشوارها مع المؤسسة اللبنانية للإرسال.
قالت جيزيل خوري إن الرئيس حسني مبارك، وعندما علم بانتهاء مشوارها مع "إل بي سي"، طلب من سفير مصر في لبنان حينها إبلاغها أن "كل القنوات المصرية مفتوحة أمامها".
إلى "استوديو بيروت" وحوارات "بالعربي"
انتقلت خوري إلى قناة العربية عام 2003 وأمضت فيها عشرة أعوام، قدمت خلالها برنامجي "بالعربي" و"استوديو بيروت"، فضلا عن قوالب إخبارية مختلفة، حاورت فيها صنّاع القرار السياسي، وناقشت أبرز القضايا العالقة والأحداث الساخنة التي تهمّ الإقليم وتشغل الجمهور، من المنظار اللبناني.
أجرت جيزيل خوري، المقابلة الشهيرة مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والتي باتت واحدة من أهم الحلقات الحواريّة في تاريخ الإعلام العربي.
تمّت المقابلة خلال فترة الحصار الذي فرضه الجيش الاسرائيلي على عرفات في مقره الخاص، في جزء من مبنى المقاطعة برام الله، واستمر لثلاث سنوات، إذ تمكنت خوري حينها من طرح أسئلة حول مواقفه السياسية المستقبلية والحصار وتحديات السلطة الفلسطينية.
ركزت أكثر على الجانب الإنساني، فطرحت خوري سؤالًا مباشراً على عرفات حول "احتمال وفاته أو استسلامه تحت الحصار"، كما سألته إن كان قد "اشتاق للطائرة". عرفات، ردّ بطريقة عاطفية ورافضة لفكرة الاستسلام، مكرّرا جملته الشهيرة "اليوم أقول لك، نحن ذاهبون إلى القدس".
تلقت الإعلاميّة جيزيل خوري إشادات واسعة من الأوساط الإعلامية العربية بعد نجاحها في إدارة المقابلة مع عرفات. واعتبر صحفيون وإعلاميون أن أسئلتها كانت "جريئة ومباشرة". في المقابل، اعتبرت جهات أن "المقابلة لم تكن حادة بما يكفي" في تناول بعض القضايا المرتبطة بمواقف عرفات.
كما أثارت المقابلة ردود فعل إسرائيلية من قبل إيهود باراك وشمعون بيريز وأرييل شارون، الذين رأوا في تصريحات عرفات " نوايا خفية لا تتماشى مع جهود السلام"، كما نقلت صحف اسرائيليّة حلّلت اللقاء حينها، على رأسها هآرتس.
أما جيزيل خوري، فلم يكن حوارها التلفزيوني وعرفات محط اهتمامها الوحيد تجاه تلك الشخصية، إذ أنتجت عام 2009 سيرة ذاتية من أربع حلقات عن الرئيس الراحل، حينما شاركت بتأسيس شركة "الراوي" للإنتاج.
ومن ذاكرة "بالعربي"، تعود إلى الواجهة اليوم مقابلتين تلفزيونيتين أجرتهما خوري مع نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله بلبنان منذ عام 1992.
المقابلة الأولى، بحسب الموقع الإلكتروني لنعيم قاسم، أجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2004، أما الثانية فكانت في مايو/أيار 2005 والتي جاءت بعد يوم واحد على خطاب الرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب السوري تعليقاً على قرار مجلس الأمن 1559، والذي طالب جميع القوات الأجنبية المتبقية، بما فيها القوات السورية، بالانسحاب من لبنان، وحل جميع "المليشيات اللبنانية" ونزع سلاحها.
كانت حواراتها مع نعيم قاسم وجبة شرهة لمعظم التحليلات الإعلامية التي اعتبرتها مثالاً على كيفية تأثير الحوار على فهم المشهد السياسي في لبنان، وأن "عرض وجهات نظر متعددة يمكن أن يساعد في خلق نقاش أعمق حول المستقبل".
اختتمت خوري مشوارها مع "العربية" في آخر حلقات "استوديو بيروت"، استضافت فيها وزير خارجية الأردن السابق مروان المعشر، وناقشت معه "المعادلة الدولية تجاه الأزمة السورية"، وسألت إن كانت "المنطقة أمام سايكس-بيكو جديد".
يذكر أن بعد أول عامين من العمل مع "العربية"، وتحديداً عام 2005، اختارت صحيفة "نيو يورك تايمز" الأمريكية، جيزيل خوري واحدة من بين أفضل ثماني إعلاميات يعملن في المجال التلفزيوني، وتحديدا الأخبار والبرامج السياسية في العالم.
واحتضنت قناة "بي بي سي عربي" جيزيل خوري عام 2013، إذ حاورت في "المشهد"، أحد أهم برامجها، كبارَ القادة والمفكرين عن لحَظات مِفصَلية في التاريخ المعاصر، مع تسليط الضوء على بعض روايات شهود العِيان الأكثر إقناعاً في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر.
كما سافرت خوري إلى بلدان مختلفة للقاء شخصيات عربية ودَولية والاستماع إلى رواياتهم عن الأحداث التي شكلت التاريخ.
قدمت القناة أكثر من مئتي حلقة من البرنامج، من بينها اللقاء الثالث الذي أجرته خوري مع نعيم قاسم عام 2015.
تكسر جيزيل خوري الحدود مع الضيوف، حتى تمنحهم الراحة قبل بدء الحوار، ولا دليل على ذلك أكبر من حوارها مع وزير الثقافة المصري جابر عصفور، حينما استهلت حوارها معه بطلب أن يروي لها قصة من طفولته جمعته بوالده، وصلت إليها عن أصدقائه، وهو ما أضحك الوزير، وأزال التوتر عن وجه المقابلة ومضت مع عصفور نصف ساعة حوارية مميزة وقريبة من الجمهور.
أما أكثر المحطات جدلاً في مسيرة خوري الإعلامية، وفي "المشهد" تحديداً، هو حوارها مع ريبال الأسد، نجل رفعت شقيق الرئيس السوري حافظ الأسد، عام 2015، ذروة الأزمة السورية، إذ حصدت المقابلة على منصة "يوتيوب" أزيد من مليون ونصف المليون مشاهدة، بحسب الأرقام الموثقة.
وأثارت المقابلة حينها زوبعة من النقاشات، تضمنت انتقادات حادّة لمضمونها، إذ رصدت مقالات عدّة رأى فيها صحفيون وإعلاميون أن "إجراء حوارات مع شخصيات مثيرة للجدل قد يعزز من روايات غير دقيقة حول الأحداث في سوريا"، فيما رأت أخرى أن المقابلة كانت فرصة لاستكشاف وجهة نظر جديدة، حتى وإن كانت مثيرة للجدل.
لم ترغب جيزيل حينها بالانخراط بالجدل الدائر، فردّت عبر منابر إعلامية مختلفة بالقول إن برنامجها "ليس حواراً سياسياً حتى تُحاجِج وتُظهِر ما لديها من قدرات"، وطالبت الجمهور بأن يحاسبها "إن أخفقت في إدارة حوار سياسي لو حصل".
وعلّقت بالقول: "ريبال الأسد جاء كشاهد على مرحلتَي حوادث اللاذقية وحماة (1981 - 1982)، بعيدًا عن الأحداث في سوريا".
كما أجرت جيزيل عام 2015 مقابلة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أضاءت فيها على "الديمقراطية والعلاقة مع الإخوان المسلمين والعلاقات الخارجية مع قطر والسعودية وتركيا وإيران"، وذكرت أن السيسي "فاجأها" بإجاباته "القصيرة والحاسمة".
تنوّعت حوارات جيزيل خوري، فاستطاعت مع فريق الإعداد أن تسلط الضوء على قضايا إنسانية عديدة، على رأسها قضية اللاجئين الأكراد 1991 مع الصحافي والمراسل جيم ميور، وصبرا وشاتيلا مع كفاح عفيفي، واجتياح لبنان مع الكاتبة والباحثة بيان نويهض الحوت، والإعتقال والسجن السياسي من تجربة الكاتب الروائي المصري صنع الله ابراهيم، وغيرهم.
وكان برنامج "مع جيزيل" المحطة الإعلامية الأخيرة لجيزيل خوري مستضيفة فيه شخصيات بارزة، حتى أسدلت الحياة الستار على جيزيل، التي قدمت آخر حلقات البرنامج على بعد ثلاثة أسابيع من وفاتها في 15 من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
اختتمت جيزيل خوري مسيرتها الإعلامية بحلقة تلفزيونية أخيرة قدّمتها ضمن برنامجها "مع جيزيل" ليكون الظهور التلفزيوني الأخير لها قبل وفاتها، تناولت فيها "التحرش الجنسي والاغتصاب" مشدّدة في مقدمتها على ضرورة أن يخرج الموضوع عن الممنوعات أو "التابوهات"، لينصف كل فتاة تتعرض لمثل تلك الأفعال.
و بشهادات جميع من تعاملت معهم جيزيل أكدوا أن تجربتهم معها "منحتهم خبرة إعلامية لا يمكن أن تعوضها عقود من العمل مع شخصيات أخرى". لقد وصفوا جيزيل بأنها قادرة على إجراء مقابلة مع رئيس دولة أو مع نازح، وبنفس القوة والتأثير. هذا يعود إلى خبرتها الواسعة التي طوّرتها بكل شغف وعزيمة حتى الرمق الأخير.
في مثل هذا اليوم من عام 2023، توفيت جيزيل خوري عن عمر ناهز 62 عاماً، بعد صراع طويل مع مرض السرطان، أخفته عن الجمهور في العامين الأخيرين من عمرها.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق