الحكاية التي لم تُروَ بعد - جورنالك

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الحكاية التي لم تُروَ بعد - جورنالك اليوم الأربعاء 18 ديسمبر 2024 03:05 مساءً

في البدء، كان الطريق مستقيمًا كالسيف، لا تشوبه منعطفات ولا تُقيّده مذاهب.
الأمويون ..
سادة الأرض التي لم تعرف التشظي. امتدّ حكمهم كما تمتد الشمس على الأفق، لم يتوقفوا عند لغة ولا ديانة، من سور الصين العظيم شرقًا حتى الأندلس غربًا، حيث كان الغبار الذي يعلو نعال خيولهم شهادة بأن الأرض كلها كانت مهيأة ليركبها من يتقن العدل والهيبة.
لم يسأل أحد عن نسب، ولم يبحث عن تأويل. كانت الأقدام تمشي بثقة، وكانت السيوف تتحدث ببلاغةٍ لا تُخطئها الأجيال.

لكن التّاريخ، كما هو دأبه، لا يترك المجد مُطمئنًا في مكانه طويلًا.
حين انطفأ وهج الأمويين، جاء العباسيون بخيوطٍ من حرير ومكر.
كانوا يُعيدون صياغة السرد، يُنقّبون في الأنساب كما يُنقّب الصائغ عن الذهب، لا ليُزيّنوا الحقيقة، بل ليُغرقوها في بحر من التأويلات.
إنها فارس ..
دولةُ الظل التي اعتادت أن تُحرك المياه الراكدة حتى تُفيضها.
أمسكت برقبة "المأمون"، ذلك الخليفة الذي قتل أخاه الأمين، لا بسيف العداوة فحسب، بل بشائعةٍ تذبح الروح قبل الجسد: اتهامه بعشق المردان.

كان المأمون ينظر إلى الفُرس كمن يُحدّق في مرآةٍ غريبة.
منحهم مفاتيح المُلك، وحين تسلّموا المفاتيح، أغلقوا الأبواب أمام الحقيقة.
هرب زرياب من بغداد، كأنّه الطائر الذي أدرك أن المدينة لم تعد له.
أخذ موسيقاه إلى الأندلس، وهناك، على الضفة الأخرى، أدار ظهره لعالم يُعيد تشكيل ذاته ككابوس:
المذاهب، والدماء، والأنساب الجديدة.

"حروب عيال العمّ" ..
كان هذا هو الاسم الذي التصق بالقرون التالية.
طالبيون ضد عباسيين، ثم طالبيون ضد طالبيين، وكأنّ الدم لا يشبع من الدم.
علويون، جعفريون، حسنيون وحسينيون.
كل فرع يُكسر ليُغرس مكانه فرع جديد، وكل أصل يُبتكر ليُضفي الشرعية على طارئٍ جاء من حيث لا يدري التاريخ.

لكن فارس، لم تستطع أن تخلق لها نسبًا يمتد إلى "علي بن أبي طالب".
كانت تُدرك أن التزوير يجب أن يمرّ عبر وسيط، فابتكروا لعبةً في غاية الدهاء:
"خليفة من بني هاشم، أمير مؤمنين بلا حكم ولا نفوذ."
دميةٌ بيد مَن يُحركها.

ثم جاء الأعاجم: الترك، الأكراد، وكل من رأى في النسب بوابةً إلى السلطان.
اخترع الفرس نسبًا علويًا فيهم، ثم ردّ عليهم الترك بالمثل.
من هنا، لم تعد الحقيقة تُشبه ذاتها.
تعددت الأنساب كأوراق الخريف، كل ورقة تحمل ادعاءً جديدًا، وكل ادعاء يُغطّي وجه الحقيقة أكثر.

اليوم ..
نحن أمام سبعين مليون علوي هاشمي.
سبعون مليونًا ينظرون إلى الأرض بعيون الغاضب.
تسألهم عن الحاكم الأحق، فيُجيبون بلا تردد:
"علي بن أبي طالب."
لكن تحت هذه الإجابة يكمن صوت أعمق، صوتٌ يقول:
"نحن أحق بالحكم."

ليست المشكلة في "علي"، ولا في عشقه الممتد عبر القرون، بل فيمن حوّلوا اسمه إلى صكّ امتلاكٍ للأرض والسلطة.
كأنّ الإسلام شركةٌ خاصة، لا يدخله إلا من يحمل مفتاح النسب، ولو كان مفتاحًا مكسورًا من زمن بعيد.

لكن التاريخ لا يُخدع إلى الأبد.
حين نُقلب صفحاته بعيون الباحث عن الحق، سنجد أن أبناء علي بن أبي طالب، انتهوا على ثرى كربلاء، في معركة غسل فيها الدمُ كل ادّعاءٍ لاحق.
ما بقي بعدها، لم يكن سوى ظلال تُطارد النور، ونسبٍ يُحرّك الطامعين كخيوط الدُمى.

إن الحكمة اليوم تقول:
ليس كل من رفع شعارًا قد ورث الحقيقة، وليس كل من ادّعى نسبًا قد حمل المجد.
إن الدين أكبر من أن يُختزل في ورقة نسب، وأوسع من أن يُحصر في عائلة.

.. وإلى لقاء يتجدد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق