المصالحات اليمنية المفخخة! - جورنالك

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: المصالحات اليمنية المفخخة! - جورنالك اليوم السبت 21 ديسمبر 2024 09:05 صباحاً

كثيرة هي المصالحات اليمنية التي تتلو الثورات والصراعات والأزمات اليمنية ابتداءً من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وحتى اليوم، وما يردد خلف الكواليس من أن هناك خارطة طريق للخروج باليمن من صراعاتها الراهنة.
فمن خلال الصراعات والتباينات في الصف الجمهوري منذ ما بعد الثورة وإلى اليوم، بين مختلف الفئات والقيادات والأجيال، وتحليل مضامينها ومساراتها ومخرجاتها نصل إلى خلاصة واحدة وهي أن لليمنيين حالة خاصة من هذه المصالحات دون بقية الشعوب؛ تكون ظاهرها اتفاقات لإنهاء الأزمات والمشاكل وباطنها زرع ألغام مستقبلية لاستمرار هذا الصراع ونزيف الدم اليمني.
اليمنيون مستعجلون قطف ثمار النصر، وقليلو صبر؛ يبحثون عن استقرار سريع وإن كان استقراراً هشاً يؤسس لمزيد من الصراعات المتجددة، يحوي في طياته كثيراً من قنابل الانفجار في مراحل لاحقة، وكل جيل يُرحِّل مشاكله للجيل الذي يليه، وها نحن نحصد مشاكل الترحيل تلك ونصل إلى مزيد من الأزمات وانسداد الأفق ومضاعفة الأزمات، وتشتت أطراف الصراع وظهور مزيد من الأطراف اللاعبة، وإتاحة المجال لتدخلات إقليمية ودولية لا تعمل على حل الصراع بقدر ما تستثمر فيه وتغذيه وتزيد من الانقسامات الداخلية.
بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر تكوّن فريقان لأطراف الصراع في اليمن؛ فريق الجمهورية وفريق الإمامة (الملكية)، ولما لم يحسم الفريق الجمهوري مشاكله الداخلية ولم يحسم الصراع النهائي مع الإماميين وصار عرضة لتدخلات النصير في كل صغيرة وكبيرة حتى التعيينات في المؤسسات، لم يرضِ طرفاً جمهورياً آخر من صف الثوار ما لبث أن كوّن طرفاً ثالثاً ضد الإمامة وضد طرف السلطة الجمهورية المنبثقة عن الثورة المنحرفة بنظرهم عن أهدافها المفضي إلى استمرار الصراع والمشاكل الداخلية.
وراح هذا الطرف يبحث عن حلول منها المصالحة مع الإماميين ولكن في إطار الجمهورية، وهو طرف مؤتمر خمر الذي مثله طرف الزبيري والنعمان والأحمر والقاضي الإرياني ومحمد علي عثمان وبقية المشايخ، على الرغم من أن الشيخ الأحمر كان أكبر المتشددين ضد المصالحة مع الإماميين حتى تم التأثير عليه وإقناعه من بقية شخصيات التيار.
وصار الوضع أكثر تعقيداً، ودخل الجميع في صراعات لا تنتهي؛ ولم تحسم هذه الأطراف الصراع لصالح الجمهورية بشكل كلي، حتى استطاع طرف مؤتمر خمر الانقلاب على طرف الرئاسة أو الصقور في الصف الجمهوري في 5 نوفمبر 1967، وضحى ببقية الصقور من التيار المتشدد للجمهورية، مما أضعف الصف الجمهوري وأدى إلى حصار السبعين من قبل الإمامة استغلالاً لذلك الضعف، ليعود تيار الصقور لحسم الصراع وإنهاء الحصار، مالبث أن قام التيار الثالث بالقضاء عليه مجدداً في 23 و24 أغسطس 1968، ومضى في طريق المصالحة مع الإماميين في مارس 1970.
هذه المصالحة في الحقيقة رحّلت المشاكل، وجعلت الوضع مترهلاً بفعل تذبذب القائمين على الدولة بحجة إنهاء المشاكل الداخلية.
استطاع الإماميون ترتيب أوراقهم واللعب من داخل الصف الجمهوري الذي عرقل بناء دولة حقيقية؛ دولة مؤسسات برؤية عصرية وفي قطيعة تامة مع العهد الماضي، وصارت الدولة في منزلة بين المنزلتين؛ فلا هي بالجمهورية الحديثة ولا هي بالإمامة البائدة، وصار هم الجميع فقط القطيعة مع أسرة حميد الدين وكأن الإمامة والمشكلة فقط هي مع هذه الأسرة وليس مع وضع عام للإمامة كنظرية ونهج عنصري وتدمير ذاتي لكل المشاريع اليمنية دولة وشعباً وحضارة.
تراكمت هذه المشاكل والاختلالات وصولاً إلى انقلاب الحوثيين على الدولة والجمهورية في 21 سبتمبر 2014، لتأتي أسرة إمامية جديدة بنفس الأفكار والآليات الإمامية القديمة.
القيادة لم تكن حاسمة، ودون رؤية جديدة نهضوية بالبلد تعيش مرحلة القطيعة الكلية مع الماضي وتبدأ الانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة ذات المؤسسات والبناء والتنمية.
وكل هذا ناتج عن قلة صبر، وعدم الثبات على المبدأ، وعدم وجود مشروع واضح المعالم والخطوات، والمضي بالثورة حتى النهاية، وعدم تطور القيادة ذاتها، وأيضاً كثرة اللاعبين الخارجيين الذين يريدون تسيير مصالحهم لا مراعاة المصالح اليمنية.
ومثلها بالضبط المصالحة قبل حرب 1994، في وثيقة العهد والاتفاق وعدم تطبيقها واقعاً، وعدم إخلاص القيادات لها والخروج بالبلاد من أزمتها، فزرعت ألغام الحرب فيها، وعقب الحرب تم الاستفراد بالوطن وعدم قيادته بمشروع واضح يبني وينهض بالبلاد، وترحلت مشاكلها مجدداً حتى تراكمت وأدت إلى نشوء مشاكل أخرى تمثلت في استغلال الإمامة الجديدة تلك الأزمات وأدت إلى حروب صعدة الست التي حملت وسائل الصلح معها ألغاماً مختلفة، بالإضافة إلى الأزمات السياسية المختلفة أدت جميعها إلى انفجار المشاكل المُرحّلة في 2011.
وللخروج بالبلاد من أزمتها في 2011 تمت المصالحة بين سلطة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وحلفائه وبين المعارضة المتمثلة في اللقاء المشترك وحلفائهم ومن يليهم من الشباب وغيرهم، بموجب المبادرة الخليجية التي رعتها الأمم المتحدة، وعدم حسم المشكلة نهائياً معه وعدم محاسبته، بل تم إعطاؤه حصانة كاملة ومرنة استطاع استغلالها وأقام تحالفاً انتقامياً مع الحوثيين ضد الجميع أدى إلى الانقلاب على المبادرة الخليجية والنظام الذي نتج عنها عودة الإمامة من جديد في انقلاب 21 سبتمبر 2014.
في ليلة الانقلاب وإسقاط العاصمة صنعاء رعت الأمم المتحدة اتفاق السلم والشراكة بين سلطة ونظام الرئيس هادي المنبثق عن ثورة 2011 والمبادرة الخليجية، وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق كان لصالح الانقلابيين 100% إلا أنه تم الانقلاب عليه في ذات اليوم والمضي بالانقلابيين هذه المرة إلى الحسم والقطيعة مع النظام القائم حتى لا تكون هناك أطراف متعددة في تسيير البلاد لصالح طرف الانقلابيين ولكنهم أداروا البلاد بعقلية انتقامية تدميرية وليس بعقلية البناء والتنمية حتى يقدموا نموذجاً مختلفاً عن النماذج السابقة بل على العكس من ذلك قدموا نموذجاً متوحشاً حمل ألغام الانفجار في أحشائه لا تنفجر مرة واحدة للخلاص النهائي بل سيظل ينفجر بشكل متجدد حتى إيجاد النموذج الأمثل والواعي في بناء الدولة والتسامح مع الجميع.
أدركت المليشيات الحوثية هذا الجانب للأسف الشديد وبالتالي شرعت إلى محاولة القطيعة التامة مع العهد الجمهوري، وصارت تحوثن كل مظاهر الجمهورية ومؤسساتها والحياة اليمنية بعد الانقلاب.
عدم صبر اليمنيين في حسم مشاكلهم، وإنتاج حلول موضوعية حاسمة لكافة المشاكل القائمة، واستعجالهم في قطف ثمار الانتصارات الجزئية، غالباً ما أدى إلى حلول ترقيعية غير واقعية ولا فعالة لهذه الأزمات.
لمثل هذا قيل: "إنما النصر صبر ساعة"، وقبل ذلك قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ}الأنفال45
ولذلك فإن الصبر على المكاره وتحمل مشاقات المشاكل الناجمة حتى النهاية من أهم عوامل النصر، وهو ما شدد عليه الدين الحنيف في القرآن والسنة بكل مظاهر القطيعة مع الماضي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}آل عمران200؛ فقد ربط الفلاح في الأمور ونتائجها الإيجابية بالصبر والمصابرة والمرابطة؛ المرابطة التي تعني عدم التنازل عن المبادئ والأهداف مهما كانت المغريات براقة، واعتبر الصبر والمرابطة على الأهداف من عزائم الأمور {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}آل عمران186، والأهم من ذلك الإيمان بالهدف كل الإيمان والنظر إلى المآلات بيقين لا تزعزعه العواصف ولا الملمات، وكذلك عدم التنازع المفضي إلى الفشل التي هي الهزيمة {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}السجدة24
{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}الأنفال46
{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}الأنعام34
لذلك أوجب الإسلام القطيعة مع الماضي بكل مظاهره والحسم في ذلك وعدم التردد في الأمور {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ. قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم}الأعراف88، 89
{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ }التوبة114
ونحن نراجع سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يساوم أبداً في مبادئه ومصالح المسلمين، وأشهر ما شهر عنه تلك المحادثة المغرية بكل ملذات الدنيا التي رفضها جملة وتفصيلاً.. تقول له قريش: "إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تريد شرفاً سوّدناك علينا فلا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا".
فقال: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه"!
صرامة القائد الناجح ونظرته الثاقبة ومشروعه المنير وأهدافه التي رسمها تجعله في حالة حسم وقطيعة مع كل المبادئ المضادة لمشروعه، دون المودة والأشياء التي لا يترتب عنها مفسدة للمجتمع الجديد المتمثل في الدولة الإسلامية الحديثة التي أسسها.
قد يقول قائل: هذه الصرامة في الدين، لكنه قبل المساومات في صلح الحديبية وغيره!
نعم.. ساوم وقبل صلح الحديبية؛ لأن يده كانت العليا وهو المهيمن وهذا الصلح كان إعطاء الإنذار الأخير للمفاصلة والفتح العظيم، ولم يقدم التنازلات المذلة التي تكسر معنويات جيشه وأتباعه وتخلخل صفوفهم؛ لأن التنازل المهين والمذل هو إعلان الهزيمة المذلة وكسر الأتباع وإدخال المنازعات إلى صفوفهم، وعدم الإيمان بالمشروع، وعدم طاعة القيادة، ولذلك أثناء فتح مكة بعد هذا الصلح لم يقبل أية مساومات ولو على أبسط الأشياء، وكان كل تصميمه على الفتح الذي يعتبر إنفاذاً كاملاً لمشروعه وأهدافه وتتويج رسالته وخاتمتها.
فالذي حصل في 21 سبتمبر 2014 وما قبلها هو أن قتل القائد والدولة الروح المعنوية لدى الشعب، وقتلُ الروح المعنوية يفضي لعدم المقاومة، ويؤدي إلى الانكسار والهزيمة والدخول المكرَه في طاعة المنتصر مهما كان مشروعه فاسداً، وهذا الذي تم تجديده في اتفاق ستكهولم، وتم تكريسه في هزيمة البنك المركزي، ويراد له أن يتجدد مع خارطة الطريق وتسليم الرقاب للجلاد، وعدم قيام قائمة لليمن.
يجري اليوم الحديث عن وجود خارطة طريق للخروج بالأزمة اليمنية الحالية، ولكن كل ما يتسرب عن هذه الخارطة غير واضح حتى الآن وعبارة عن تسريبات، وإن كانت هذه التسريبات حقيقية فإننا بصدد إنتاج النموذج اليمني مجدداً في إنتاج مزيد من المشاكل والحروب والأزمات التي ستنفجر مستقبلاً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق