نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الغارات الأمريكية على صنعاء: قراءة في سياسة إدارة... - جورنالك اليوم الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 02:09 مساءً
شهدت العاصمة اليمنية صنعاء غارات أمريكية مؤخراً، الأمر الذي أثار تساؤلات حول أبعاد ودلالات هذه العمليات في سياق المشهد الإقليمي والدولي. ومع ذلك، يبدو أن هذه الغارات لا تهدف إلى تحقيق تغييرات جوهرية أو حسم الصراع في اليمن، بقدر ما تسعى إلى إعادة صياغة قواعد الاشتباك في البحر الأحمر، بما يتماشى مع أولويات إدارة بايدن ومصالحها الاستراتيجية.
تتمحور السياسة الأمريكية في المنطقة حول حماية الممرات المائية الدولية الحيوية، وعلى رأسها البحر الأحمر، الذي يُعد شرياناً أساسياً للتجارة العالمية ونقل الطاقة. الهجمات الحوثية الأخيرة على السفن وتهديد الملاحة الدولية في المنطقة دفعت الولايات المتحدة إلى التدخل عسكرياً لإعادة ضبط التوازن. ومع ذلك، فإن هذا التدخل يظل محدوداً وموجهاً، إذ يبدو أن واشنطن تسعى فقط إلى احتواء التهديدات دون السعي إلى إسقاط جماعة الحوثي أو تغيير المعادلة العسكرية بشكل جذري.
إدارة بايدن تدرك تعقيدات الصراع في اليمن وحقيقة أن أي تدخل شامل قد يؤدي إلى تورط عسكري طويل الأمد. وبدلاً من ذلك، تعتمد واشنطن على استراتيجيات تكتيكية تهدف إلى تأمين الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر وباب المندب، مع التركيز على الحد من الهجمات التي تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
إلى جانب الجانب العسكري، يظهر أن إدارة بايدن تربط استقرار البحر الأحمر بنجاح المفاوضات الإنسانية، مثل مباحثات تبادل الأسرى بين الأطراف المتصارعة. هذه الخطوة تعكس رغبة واشنطن في استخدام أدوات دبلوماسية وإنسانية لتعزيز التهدئة، مما يقلل الحاجة إلى تدخل عسكري واسع. هذا النهج البراغماتي يسمح للولايات المتحدة بالتحرك في إطار توازن دقيق بين حماية مصالحها وعدم التورط المباشر في صراع معقد كالحرب اليمنية.
لا يمكن فصل تحركات الولايات المتحدة في البحر الأحمر عن أولوياتها الإقليمية الكبرى، وعلى رأسها أمن إسرائيل. إدارة بايدن، التي تولي حماية إسرائيل أهمية قصوى، نجحت إلى حد كبير في تقليص التهديدات القادمة من الشمال عبر تقليم النفوذ الإيراني، سواء في سوريا أو عبر برامج إيران النووية والصاروخية.
أما جنوباً، فإن التهديدات الناشئة في البحر الأحمر تمثل خطراً “طارئاً” يرتبط بتداعيات حرب غزة. من هذا المنطلق، تسعى واشنطن إلى الحفاظ على استقرار نسبي في المنطقة عبر “رخاوة مدروسة”، تُدار من خلال قواعد اشتباك جديدة تمنع أي تصعيد غير محسوب قد ينعكس سلباً على أمن إسرائيل أو المصالح الأمريكية في المنطقة.
من خلال الغارات الأخيرة، تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة ضبط قواعد الاشتباك في البحر الأحمر، بحيث يتم ردع التهديدات الحوثية من جهة، والحفاظ على مستوى معين من التوتر يمكن التحكم فيه من جهة أخرى. هذه الاستراتيجية تتيح لواشنطن مرونة في التعامل مع التحديات الأمنية دون الحاجة إلى الانخراط في مواجهات مباشرة أو استنزاف مواردها العسكرية.
التوقيت الحالي لهذه الغارات يثير تساؤلات حول ما إذا كانت السياسة الأمريكية في المنطقة ستشهد تغييرات جذرية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وعودة محتملة لدونالد ترامب. فمن المعروف أن إدارة ترامب كانت أكثر عدائية تجاه إيران والحوثيين، مما قد يعني تحولاً أكثر تصعيداً في حال عودته إلى السلطة. وحتى ذلك الحين، يبدو أن إدارة بايدن ستظل تركز على إدارة الصراع بأسلوب “الاحتواء المراقب”، الذي يضمن حماية المصالح الاستراتيجية دون تصعيد شامل.
ختاماً الغارات الأمريكية على صنعاء لا تشير إلى تحول جذري في السياسة الأمريكية تجاه اليمن أو البحر الأحمر، بل تعكس استمراراً لنهج براغماتي قائم على تحقيق أهداف محددة بأقل تكلفة. حماية خطوط الملاحة، الحفاظ على أمن إسرائيل، ودعم التهدئة الإنسانية، كلها أهداف تديرها واشنطن في إطار رؤية أوسع تهدف إلى تجنب التصعيد الكبير، مع إبقاء الأوضاع تحت السيطرة. ومع ذلك، فإن التحولات السياسية المستقبلية، سواء داخلياً في الولايات المتحدة أو إقليمياً في الشرق الأوسط، قد تفرض على واشنطن إعادة تقييم هذه الاستراتيجية.
0 تعليق