مديونتها تجاوزت كامل مديونية الجامعات الاردنية.. المشروع الوطني الاهم شمالا يستصرخ دولة الرئيس - جورنالك

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: مديونتها تجاوزت كامل مديونية الجامعات الاردنية.. المشروع الوطني الاهم شمالا يستصرخ دولة الرئيس - جورنالك اليوم الخميس الموافق 26 ديسمبر 2024 11:07 صباحاً

كتب أ. د. عبدالحكيم الحسبان - 

قبل أيام صدر التقرير السنوي المعتاد لديوان المحاسبة والذي يقدم جردة حساب لأداء مؤسسات الدولة الاردنية على صعيد المالية العامة كما على صعيد الاداء الاداري والمؤسسي مشيرا لمواقع الخلل التي يقتضي الحال أن يتم تصويبها في القطاع الحكومي وشبه الحكومي الأردني. وعلى النقيض من الأجواء الاحتفالية المتواصلة التي تعيشها، وتبثها إدارة جامعة اليرموك وموقعها الاخباري، وصفحاتها الالكترونية وإذ لا يكاد يمر يوم دون توجيه الدعوة للعاملين في الجامعة لحضور جلسة افتتاح نشاط أو فعالية أو حفل تكريمي، فقد جاء تقرير ديوان المحاسبة ليصب بأطنان من المياه الباردة في وجه العاملين في الجامعة، كما في وجه كل ذي عقل يتفكر في أمور الجامعة وفي المصير القاتم الذي باتت الجامعة تسارع الخطى نحوه.تقول الصفحات التي وقعت عليها عيناي من هذا التقرير والمتعلقة بالعجز المالي للسنة المالية الاخيرة التي يرصدها التقرير أن جامعة اليرموك سجلت العجز المالي السنوي الاكبر على صعيد الجامعات الاردنية، وهي تتصدر قائمة الجامعات الاردنية بعجز سنوي يقترب من العشرة ملايين دينار مقارنة ببعض الجامعات التي سجلت عجزا صفريا أو عجزا ببعضة مئات الالاف من الدنانير. ونتيجة لهذا العجز السنوي المتراكم والمتمادي فقد تصدرت جامعة اليرموك قائمة الجامعات الاكثر مديونية، بل إن مديونية الجامعة تجاوزت مديونية الجامعات الرسمية الاردنية مجتمعة لتسجل رقما قياسيا يقترب من 65 مليون دينار أردني، وبما يتجاوز موازنة الجامعة السنوية، مع ملاحظة أن ثمة مبالغ مالية تتعلق بالتأمين الصحي، وبمكافآت نهاية الخدمة لبعض العاملين في الجامعة إن تم احتسابها، فإن المديونية سوف تقفر لارقام فلكية مرعبة.

من يرقب تطور حال مديونية الجامعة سوف يلاحظ أن المديونية كانت وحتى بضع سنوات خلت، تنمو وفق متوالية حسابية منطقية فالجامعة كانت حينها تنفق على استكمال مبانيها، ومختبراتها وبنيتها التحتية وكادرها البشري الاكاديمي والاداري، ومع ذلك كانت ارقام المديونية تنمو ضمن نطاق منطقي وآمن. ففي العام 2015 كان العحز السنوي بحدود النصف مليون دينار، كما كانت تقديرات المديونية الاكثر تشاؤما تتحدث عن رقم لا يتجاوز ال 18 مليون دينار. وأما في العام 2018 فقد شكل عطوفة رئيس جامعة اليرموك حينها وفي الاسابيع الاولى لتوليه رئاسة الجامعة لجنة لتضع تقريرا حول الوضع المالي للجامعة لتخلص اللجنة أن مديونية الجامعة هي بحدود ال 34 مليون دينار.

أن تقفز مديونية الجامعة منذ العام 2018 من 34 مليون دينار إلى اكثر من 64 مليون دينار، يعني أننا انتقلنا إلى نمط اخر من المتواليات. ففي مقابل المتوالية الحسابية التي كانت تنمو وفقها مديونية الجامعة حتى سنوات قليلة خلت، فإن مديونية الجامعة باتت تسير وفق السيناريو الأكثر سوءا وهو النمو وفق المتوالية الهندسية الذي يعني أن العجز السنوي بات يسجل في عام واحد فقط ما كان يسجله في عشر سنوات سابقة من عمر الجامعة، وهو ما يوضح هذا النمو الفلكي في العجز المالي السنوي لينعكس بالتالي في حجم المديونية. كما باتت مخصصات خدمة الدين التي تقترب من رقم ال 5 ملايين دينار سنويا تأكل الاخضر واليابس في الجامعة بحيث لا تبقي إلا العدم أو فتات الفتات كي تقوم أجهزة الجامعة ووحداتها بوظائفها التعليمية، والاكاديمية، والبحثية، والتدريبية، والادارية.

من المفارقات التي يجب استحضارها عند النظر في هذا النمو المنفلت لارقام المديونية والتي يمكن أن تساعد في فهم وتسليط الضوء على الاسباب التي أدت إلى هذا الحال الخطر الذي تعيشه الجامعة، مفارقة أن جامعة اليرموك هي من بين الاكبر بين الجامعات الاردنية وبعدد طلاب يقترب من ال 42 الف طالب، ما يعني أن أزمة الجامعة ليست كحال جامعات الجنوب التي تشكو قلة أعداد الطلبة ما يؤثر سلبا في وضع ماليتها العامة.

كما أن واحدة من مفارقات هذا الدين المخيف والمتمادي يتعلق بالتوقيت وبالزمن الذي تأتي فيه هذه المديونية؛ نفهم أن تسجل أي جامعة عجزا ومديونية في سنوات التأسيس لأنها سنوات الانفاق الكثيف على البنى التحتية وعلى تجنيد الموارد البشرية من اكاديميين واداريين، ولكن أن تأتي المديونية لتسجل أعلى أرقامها ولتكشف عن اكثر الحالات مأساوية على صعيد الجامعات الاردنية بعد حوالي النصف قرن من تأسيس الجامعة وفي وقت يفترض فيه أن الجامعة استكملت بناها التحتية والبشرية فهو ما يجب أن يثير الكثير من الاسئلة حول ما جرى وما زال يجري في الجامعة وحولها، على صعيد الممارسات التي يدير من خلالها مجلس التعليم العالي هذه الجامعة، كما على صعيد نسق الادارات المتتالية التي تعاقبت على هذه الجامعة في السنوات الاخيرة، وهو ما بات يستدعي وضع الجامعة تحت مجهر أعلى المراجع في الدولة كما تحت مجهر أعلى دوائر صنع القرار.

نمو المديونية بهذا الشكل بات يطرح كثيرا من الاسئلة حول مجمل النهج الذي تم سلوكه في السنوات الاخيرة من قبل مجلس التعليم العالي تجاه جامعة اليرموك إذ سجل هذا المجلس رقما قياسيا في عدد المرات التي اجتمع فيها ليعفي رئيسا وليعين رئيسا مكانه. وحدها اليرموك التي يسود شعور بين العاملين فيها أن اعفاء الرئيس وتعيين بديل له هو أسهل لبعض من في مراكز صناعة القرار من شرب رشفة ماء. ووحدها اليرموك التي لا يبدو أن صانع قرار تعيين رؤسائها يتجشم عناء التفكير في هوية تخصصاتها الاكاديمية التي تأسست عليها، كما في هويتها المناطقية والاجتماعية ذات الخصوصية الشديدة.ووحدها اليرموك التي باتت الاعتصامات والاضطرابات وطقوس التعبير عن الغضب على درج الرئاسة بمثابة طقوس روتينية ورتيبة للعاملين فيها الذي باتوا ومنذ سنوات يرون بل ويعيشون واقع انخفاض ما يصل لجيوبهم من دخل، وما يجب إن يصل إلى بنود الانشطة العلمية والبحثية والتي باتت تخضع للتقليص والتآكل يوما بعد يوم.

ومن مفارقات المشهد اليرموكي أيضا، إنه وفي الوقت الذي تغرق الجامعة فيه بهذه الازمة المالية التي تهدد وجودها ما يفرض على مجلس التعليم العالي، كما على رئيس الجامعة ومعه الفريق الاداري المحيط أن يعلنوا حالة طوارئ إدارية ومالية، بمعنى أن تكون هوية الرئيس، كما طاقم الرئيس المحيط به، كما الخطاب المبثوث والسائد داخل الجامعة يتعلق بالوضع المالي وخطورته على الجامعة، فان الوضع المالي لا يبدو على قائمة أولويات الجامعة. فالخطاب المبثوث في فضاء الجامعة وفي كل حيز فيه، لا تتردد فيه سوى عبارات: جودة، وتسكين، وتصنيفات عالمية، واعتماد. وهو ما ينعكس ايضا في هوية الطاقم الرئاسي والاداري الذي يخلو بشكل لافت من طاقم مالي يعنى بازمة الجامعة المالية في حين بات هذا الطاقم يعج بالمهتمين بملفات الجودة، والتصنيفات العالمية، والريادة، والتسكين وغيرها.

في محاولة تشخيص ما جرى ويجري من إنهيار سريع لعمل هذه المؤسسة وأدائها من المهم الأشارة إلى بعض الملفات الكبيرة التي قد تكون وراء هذا جبل المخاطر الكبير الذي بات يتهدد الجامعة، وهي كلها ملفات يتحدث بها العامة والخاصة على صعيد الجامعة كما على صعيد قطاع التعليم العالي في البلاد. ثمة ملفات مالية وادارية كبيرة كان لها ارتباط زمني وتزامني مع هذا الانهيار الكبير في الوضع المالي للجامعة. فثمة ملف كبير يتعلق بتعيينات اكاديمية بالمئات جرت في سنة واحدة قيل أن هيئة الاعتماد اشترطتها، ما زالت ترهق مالية الجامعة. وثمة ملفات تتعلق بصندوق الاستثمار في الجامعة تتعلق بملايين الدنانير استنزفت ايضا مالية الجامعة، وثمة ملف يتعلق بتعيينات بنظام المكافأة لمئات من الاشخاص استنزفت ايضا ملايين الدنانير من مالية الجامعة. وثمة مبالغ يقال أن جهات حكومية تبتعث طلابها ولا تقوم بدفع ما يترتب عليها. وثمة وثمة وثمة. كل هذه الملفات يشير اليها بعض العارفين في أمور الجامعة وباتت تحتاج للجنة على اعلى المستويات من خارج الجامعة وداخلها كي تجلي الامور حولها.

وفي موازة هذه الملفات، ثمة ملفات تتعلق بالحاكمية أو الحوكمة داخل الجامعة يجب التحقق منها وصولا للتحقيق فيها. فثمة مراكز للدراسات والابحاث في الجامعة كانت حتى سنوات قليلة مصدرا مهما للايرادات المالية من خلال الخدمات البحثية والاستشارية التي كانت تقوم بها، بات من المهم أن يتم اجراء دراسة مقارنة لتبيان مستوى أدائها خلال العشرين عاما الاخيرة لتبيان فيما إذا كانت ساهمت بهذا الانهيار المالي الكيبر والمتسارع في الجامعة.

كما أن دراسة معمقة تقوم به لجنة متخصصة تجري دراسة وتقييما لعمل وحدة المشاريع الدولية- التي جرى تعيين زميل موقر أكن كل الاحترام له على رأسها موخرا-مع مقارنة لمدى مساهمة المشاريع الدولية في مالية الجامعة على مدى العشرين عاما الاخيرة كي يتم التقرير فيما اذا كانت دائرة المشاريع الدولية قد ساهمت سلبا أو ايجابا في هذا الانهيار الكبير في المالية العامة للجامعة مع ملاحظة أن المشاريع الدولية كانت خلال سنوات ازدهار الجامعة واحدة من أهم أذرع الجامعة على عدة صعد. وللتدليل على ذلك يكفي النظر في عدد المختبرات والاجهزة التي تم توفيرها في كليات العلوم والهندسة والاثار والانثربولوجيا على سبيل المثال من خلال المشاريع الدولية ولم تكلف الجامعة دينار واحدا.

تقرير ديوان المحاسبة وأرقامه المفزعة المتعلقة حول جامعة اليرموك تقول وبوضوح أن هذه الجامعة باتت في مهب الريح، وأن في الافق خطر حقيقي للانهيار والموات إن لم يجر تدارك الامور من قبل أعلى جهات صناعة القرار وأعني به هنا هو دولة رئيس الوزراء. فمصير اليرموك لا يتعلق فقط بمجرد مصير واحدة من مؤسسات التعليم العالي الكثيرة بالبلاد، ولكنه يتعلق بمصير شمال البلاد كله بالنظر إلى الدور المركزي الذي تلعبه جامعة اليرموك في اقتصاد الشمال واجتماعه، وثقافته. فجامعة اليرموك كانت وما زالت هي المؤسسة الادارية والاقتصادية الاكبر على صعيد شمال الاردن، وعلاقة الجامعة بالمجتمع المحيط لا تشبه مطلقا علاقة الجامعة الاردنية مثلا بمجتمع مدينة عمان. فاليرموك هي محور اقتصاد الشمال، وهي محور التحول الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي في مجتمع الشمال الكبير. وحين كانت اليرموك تتمتع بالصحة، كان اقتصاد الشمال واجتماعه عفيا ويتمتع بالعافية، وحين دخلت اليرموك في أتون الازمة، دخل اقتصاد مدينة اربد أو جزء كبير منه في أزمة.

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق