نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: ”قاسيون” دمشق و ”نُقم” صنعاء.. ما الفرق؟ - جورنالك اليوم الاثنين 30 ديسمبر 2024 02:15 مساءً
منذ الأيام الأولى لعملية ردع العدوان لتحرير "سوريا" (27 نوفمبر 2024) الى اليوم، ونحن نشاهد كمية من المحتوى لم نعطه بعد حقه من القول؛ أولا لكثافته، وثانيا لاختلاط مشاعرنا وتسيد الحديث العاطفي في الموقف، حيث أن فرحتنا ودموعنا كانت وسيلة التعبير الأولى.
غني عن التذكير أن "سوريا" من أكثر بلدان الربيع العربي التي واجهت اقتتالا عنيفا، وتنكيلا وتشريدا بحق الجموع الغفيرة الذين جمعتهم الساحات منذ مارس/ آذار 2011 لرفع شعار "اصلاح النظام" أول مرة، قبل أن تفرقهم البراميل المتفجرة والأسلحة الكيمياوية، وتتقاسمهم المعتقلات وأمواج المحيطات ومخيمات اللجوء وبلدان الشتات، لتكون الحصيلة بلغة الأرقام المرعبة: قرابة مليون شهيد، و13 مليون لاجئ ونازح، حسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة، ومخفيين قسرًا يتجاوز عددهم الـ 100 ألف مسجلين لدى الشبكة السورية لحقوق الانسان، يقدر أن 85% منهم قتلوا جراء التعذيب من قبل قوات النظام، حسب تصريح مدير الشبكة لتلفزيون العربي الجديد.
وأما الأسلحة المستخدمة بحق المدنيين، كان يتبقى فقط للنظام السوري أن يستخدم القنبلة النووية. واعتمادا على توثيقات المصدر السابق نفسه، هناك 222 هجوما بالأسلحة الكيميائية. محافظة درعا لوحدها قصفت بقرابة ١١ ألف برميل متفجر.
كل هذه الأهوال جعلت "سوريا" تتصدر "العواجل" والأخبار بشكل شبه يومي طيلة 13 عاما، وحفرت في الذاكرة كثيرا من مجازرها ومآسيها..!! من مثلا لا يتذكر "مجزرة التضامن"، أو مجزرتي "الغوطة" التي تمدد فيها على امتداد البصر جثث 99 طفلا، بنعومة وبياض القطن، من بين 1,119 آخرين.
هذا المرور السريع لبعض الاحصائيات الموثقة لكلفة الثورة السورية الباهظة (التي كأنما أريد لها أن تكون عبرة لكل صوت وحلم يقول لمستبد: كفى، أو ارحل!)، يفسر الفرح العربي العارم من المحيط الى الخليج بسقوط أحد أبشع الأنظمة الديكتاتورية في العالم، وجعل من الاهتمام بالشأن السوري، وتداول محتوى عمليات التحرير والانتصارات، بتلك الكثافة والأولوية لدى الشعوب.
من بين مئات الصور والفيديوهات والمنشورات سأتناول هنا صورة واحدة لها دلالة كللت، مع مئات غيرها، الانتصار السوري بمهابة واحترام، وهي تحتضن قيادات عليا من الدولة التركية، الحليف والمساند لهذا الانتصار، ممثلة بوزير خارجيتها "هاكان فيدان"، إلى جوار قائد العمليات العسكرية والرئيس الانتقالي السوري "أحمد الشرع". كان عنوان الصورة في كثير من الأخبار والتداولات: "الشرع وفيدان يتناولان الشاي على قمة جبل قاسيون"
في الواقع؛ لم تكن تركيا الدولة الوحيدة التي أعلنت حضورها الباكر لمباركة هذا الانتصار، بل عدة دول سجلت حضورها واحتفاءها بهذا الإنجاز. وربما ما جعل هذه الصورة تستوقفني أكثر من غيرها، تذكري أن تركيا استقبلت ما يزيد عن ثلاثة مليون لاجئ في أراضيها، وتحملت حكومتها المنتخبة استغلال المعارضة لملف اللاجئين كـ "ورقة ابتزاز" أدت إلى خسارة حزب العدالة والتنمية جزء من شعبيته الواسعة.
على أن الملفت في تلك الصورة التي أظهرت اللقاء السوري- التركي، مع ما واكبه من وعود تركية بالمساهمة في مشاريع الإعمار والتنمية، هو أنها لم تُبرِز أي ملامح لاستعلاء طرف واستصغار آخر، ما جعله يبدو لقاء "وديا ونديا" في آن.
بالنسبة لي كيمنية، وأنا أشاهد هذه الصورة ومقاطع أخرى لها، اعتصرت ذهني مجموعة أسئلة مصيرية، على شاكلة:
ألا تثير صورة كهذه حماسة وغبطة السادة أعضاء المجلس الرئاسي اليمني، كما تثير لدينا نحن الرعية المغلوبين على أمرنا؟!
هل أن مجرد تخيل قيادات عليا من المملكة العربية السعودية مع أعضاء المجلس القيادي وهم يحتسون فناجين "القهوة" اليمنية على "جبل مران" بمحافظة "صعدة"، أو "جبل نقم" في العاصمة "صنعاء"؛ تظل مجرد أضغاث أحلام بعيدة المنال!
ما الذي ينقصنا حتى نصنع نموذجنا في الخلاص والبناء؟!
هل تتعامل معنا دول الجوار باستعلاء، أما أننا "قصرنا أكتافنا"؟- بحسب تعبير القيادي الفلسطيني "خالد مشعل" واصفا بعض الزعامات العربية وهي تتعامل مع القيادات الغربية أكثر مما يجب- حتى لم نعد أهلا للندية والاحترام والضيافة، بل مجرد ضيوف دائمون وثقلاء على موائد الآخرين وفنادقهم، بالرغم أن جبالنا شامخة، وقهوتنا وضيافتنا كريمة طيبة..!!
وفي المقابل: ألا تريد السعودية أن تكون الحليف المتين الذي يشاد به، وتُقلَد زمام قيادة الإقليم، مستغلة الضعف الإيراني؟!
وماهي مخاوف دول الإقليم، ممثلة بـ "السعودية" و"الامارات"، من "يمن" قوي موحد، له سيادته ومكانته؟!
ألا تطمح أن تساعدنا في اصطياد ثرواتنا، عوضا عن أن تطعمنا متى شاءت، وتمنع عنا متى تشاء؟!
وهل يتحمل حلفاؤنا العجز والفشل في إدارة المرحلة، أم تشترك معها قيادتنا الصامتة والخانعة؟!
أظنها أسئلة بسيطة تشغل بال كل يمني حُر، وليست بالجديدة بقدر ما استبعثتها الأحداث الأخيرة في "سوريا" إلى السطح. غير أن إجاباتها قد تكون جارحة ومحرجة، وهذا ما يجعلها ربما تتوارى خلف صمت المعنيين.
ما تقوله لنا التجربة السورية، إذ نشاهد اليوم الجميع يتهافت لاحتضانها ومباركة انتصارها بعد أن تركت طويلا تنزف وحدها، ربما تختصره عبارة الرئيس الأمريكي جون كندي: "الانتصار له ألف والد، أما الهزيمة فطفل يتيم"!
لذا لن يفلح من يتنصل عن هزائمه، ولا يسعى لتداركها واصلاحها كلما سنحت له الفرصة.
0 تعليق