نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: «قال الراوي».. روائع الأدب والسيرة في أنشودة «تأملية» - جورنالك في الاثنين 12:03 صباحاً اليوم الاثنين 6 يناير 2025 12:03 صباحاً
لا موات لعُصارات قراءاتنا في المحطات كافة، فهي تقبع في حال كمون وتحينٍ، تتخمر خلالها وتتهندس، قبل أن تتخير مواقيت وأشكال تمظهرٍ وتجلٍ محددة في أطوار وسياقات حيواتنا.. تنثال معها التماعات فياضة تلون أفكارنا وقولاتنا.. وإبداعاتنا.. لا بل سمات شخوصنا وتكويناتها.. وكذا مستويات تقدم مجتمعاتنا وتوجهاتها وملامحها.
تلكم حقيقة وضّاحة ملموسة بمقدورنا قراءتها وتبيّنها في محطاتنا ومساراتنا ومعايشاتنا، لطالما أكدها أدباء مبرزون عديدون، كما اليوناني الفريد، نيكوس كازانتزاكيس، في سردية سيرته «تقرير إلى غريكو».
وكم يلذنا أن نصادف هذي المُسلَّمَة الإبداعية الحياتية، ونختبر جمالياتها متجسدة في كينونة نتاج أدبي، مكتوب، يمزج تفاصيل وقصص الواقع بعوالم الرواية والسيرة والقصة والمسرحية، العربية والعالمية، في خلطة أدبية تلامس تفاصيل يومياتنا المعيشة، مسكونة بأنوار المحبة والخير والحق.. منداة برشاقة الأسلوب، وغنى الإسقاطات، كما يفعل الإعلامي والأديب الإماراتي علي عبيد الهاملي في كتابه الجديد «قال الراوي.. تأملات واستنباطات وحالات تأثر»، المحتفي بالقيم الإنسانية.. بينما يرتحل بنا إلى فضاءات فرائد الأدب.. فيعرفنا إلى حقائق أدوارها في ارتقاء مجتمعاتنا وذواتنا، في أسفار فصول وصفحات ماتعة بين جنائن فكر أدباء وسياسيين ومشاهير لامعين، تنبض بالخير والجمال، نافحاً إيانا أعطاراً فكرية غنية بالرمز والدلالة والمعرفة، ضمن حبكات متقنة يُطعِّمها بآراء وإشارات لمّاحة، وهو يربط بين مضامين كل كتاب يقرأ فيه ويعرضه، وحكاية أو حادثة أو تفصيل واقعي ما نعايشه أو نختبره.. أو اختبرناه سابقاً، ذلك بينما ينتخب لنا في هذي الأسفار المعرفية والأدبية العذبة باقات كتب تصنّف بين الأبرز والأهم عالمياً، تركت، وتترك جملة آثار، ومعاني، وتأثيرات مفصلية في مجتمعات العالم برمته.
ارتحالات شائقة
يُمهّد المؤلف للكتاب باستعراض موجز لقصته مع القراءة والشغف بالكتاب، معدداً مراحل تدرجه وسفره في بحارهما.. وتطور تجاربه ومستويات وعيه في هذه المضامير.
ويختار أن يسرد، في البداية، طبيعة قراءاته الأولى، التي انطلقت من السير الشعبية، لينتقل عقبها إلى آفاق إبداع السباعي.. فهمنغواي وغورغكي وهوغو وديكنز.. وغير ذلك من متون مراكب فرائد الآداب وبانوراما نتاجات الفلسفة والعلوم والسير الذاتية، الأخرى، ثم يروي لنا علي عبيد الهاملي حكاية نشره قصته الأولى وهو في الـ 14 من العمر: «ضحية الطمع» في مجلة «أخبار دبي»، أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
ويؤكد عقبها، أنه انطلق، مذاك في ميادين الكتابة الأدبية مقوداً بالشغف (القصة والمقالة.. وسواهما)، حيث ظلت فنون الكتابة عشقه الأول ومهواه، طوال محطات مسيرته المختلفة في مجال الإعلام، فبقيت تراوح بين الائتلاق والكثافة أحياناً.. والشح والكمون في مرات، ولكن من دون أن تنقطع وتائرها.
ويتحول علي الهاملي، إثر إيضاحه الأخير، إلى دقائق مضمون كتابه، معرفاً ماهيته وأغراضه التي تحلق في فضاءات المعرفة والثقافة والأدب، الزاهرة، المُكرسة لقيم الجمال والخير والمحفزة للتواصل والانفتاح ونهضة الأفراد والمجتمعات، مبيناً في هذا الصدد، أنه ابتغاه كتاباً يضم بين دفتيه تعريفات وقراءات استكشافية عميقة، تسبر أعماق إصدارات ملهمة لنخبة كتّاب ومشاهير في عالمنا، وتحفل باستنباطات وإحالات وآراء يتعمد المؤلف تقديمها للقارئ لينير له خفايا وغوامض في دروب تلك النتاجات، وليهديه معارف جمة وقصصاً وشروحات وإبانات وافية توسع آفاق المشهد أمامه، وتثري معرفته لكوامن وجوانب المسائل والميادين التي تطرقها الكتب التي كان الهاملي قد قرأها بتعمق وروية، في سنوات متعاقبة، خلت.
سرديات وإلهامات
في كل محطة، ومع كل سردية كتاب، يهدينا المؤلف، جواهر معرفية وإفاضات قصص وحكايات. وفي الأثناء نجده يركز على جعلنا قارئين ونقاداً ومحللين وواعين لأعماق كوامن وحيوات كل كتاب وأديب ضمن النخبة المنتقاة.
ويواظب في الخضم، على أن ينكّه ويثري ديباجاته بخزين ثقافة ثرة يتملكها، تتبدى في عوالم الكتاب، بموازاة تأملات وحالات شعورية وجدانية لا تنفصل عن حبال سرديات الكتب التي يعرض لها، فيمهر، بذا، في المزج بين القراءة بالنتاج الأدبي الذي يحدثنا عنه، ومقالته هو وأقصوصته وتفسيراته، إذ تغلب تلك الحال على محطات رحلات الكتاب القرائية التي نزور مع شطآنها حدائق إبداع أهم الروائيين والسياسيين في المعمورة، أمثال: باولو كويلو في «أوراق محارب الضوء»، ديستويفسكي في «الجريمة والعقاب»، بنازير بوتو في «ابنة القدر»، ساراماغو في «العمى»، حمدي قنديل في «عشتُ مرتين»، كارلوس زافون في «لعبة الملاك»، تسنيمة نصرين في «العار»، آرثر ميلر في «موت بائع متجول»، إبراهيم عبدالمجيد في «طيور العنبر»، بهاء طاهر في «الحب في المنفى»، ميلان كونديرا في «حفلة التفاهة».
0 تعليق