نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الحوثي وصافرات الإنذار داخل تل أبيب - جورنالك اليوم الثلاثاء 7 يناير 2025 08:37 صباحاً
خلق غياب الأمين العام لـ "حزب الله" اللبناني حسن نصرالله وتدمير جزء كبير من قوة الحزب العسكرية ثم تقويض النظام السوري بسرعة مذهلة، موقفاً غير مسبوق وفراغاً مربكاً في كامل جغرافية الإقليم، فخلال فترة قصيرة للغاية انقلب الحزب من أداة عسكرية تفزع الخصوم إلى جماعة سياسية تمتلك جناحاً عسكرياً مؤثراً، لكنه قطعاً لم يعد ولن يغدو بالأثر المحلي والإقليمي ذاته الذي مارسه خلال عقود طويلة، كما نتج من إسقاط النظام في سوريا خروج نظام عربي من دائرة الارتباط العضوي مع إيران وحال العداء مع إسرائيل.
وفي اليمن لا يعي قائد جماعة "أنصار الله" الحوثية عبدالملك الحوثي أن كل هذه الأحداث الجسام لم تكن منفصلة عما جرى قبلها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ولم يستوعب ولم ير أن خريطة سياسية وربما جغرافية جديدة يجري رسم خطوطها أمام أعين الجميع، وأيضاً لم يستوعب قائد "الجماعة" أن قدراتها العسكرية لا يمكن أن تقترب من التفوق التقني والمادي الذي يتوهم أنه قادر على مواجهته، ولا يفطن أنه غير قادر على قلب موازين القوى في المنطقة مهما زعم.
ولم يعد سراً الآن أن "الجماعة" انشغلت خلال الأعوام الماضية بتخزين أعداد من الصواريخ والمسيرات وصارت قادرة على تصنيعها محلياً، ولكنها في كل الأحوال بدائية ولا تحدث أثراً أبعد من الإزعاج، وفي الوقت نفسه نلاحظ أن الحكومة الإسرائيلية والإعلام الغربي يضخمان من آثارها لتهيئة الرأي العام لتقبل ضربات متتالية مؤلمة في اليمن، تدمر المنشآت المدنية من دون أن يشكل ذلك أي رد فعل ضدها.
تتباهى "الجماعة" أمام جمهورها المغيب عن صنع القرار بالبيانات التي يتلوها المتحدث باسمها، وتلحّ أن تل أبيب باتت هدفاً يومياً لصواريخها، وتعتبر أن انطلاق صافرات الإنذار بمثابة نصر عظيم لها وانتصار ومساندة لغزة، لكن الحقيقة المؤلمة هي أنه يبين فارقاً مهماً بين من يكترث بحياة مواطنيه، وذلك الذي لا يحفل بها، وهكذا تكون "الجماعة" قد وضعت اليمن كله رهينة لقرار كل تبعاته سلبية بالمطلق على البلد، في مقابل زعامة وهمية لا قيمة لها ولا معنى عند معظم اليمنيين.
وبداية فإن ما تغفله "الجماعة" هو أن أهم مقومات الدخول في الحروب هو الإجماع على مشروعيتها أمام مواطنيها أولاً، وأن يمتلك البلد من الموارد ما يسمح له بخوض المعارك وامتصاص الضربات والاقتدار على تحمل عواقبها، وفي الحال اليمنية فإن كل هذه الاعتبارات غائبة ولا تشغل تفكير زعيم "الجماعة" الذي بلغ حداً من القداسة عند أتباعه يجعل من العسير عليه وعليهم التريث وقراءة المشهد بعيداً من الخيالات، ناهيك عن التراجع.
وتستعين "الجماعة" بمغامراتها الخارجية، سواء عبر إطلاق الصواريخ والمسيرات في اتجاه الكيان المحتل، أو بتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، لتحشيد أنصارها في مواجهة السواد الأعظم من المواطنين الذين يتعاطفون حقاً وصدقاً مع الفلسطينيين، لكنهم يعانون أوضاعاً إنسانية غاية في الصعوبة، مما يجعل من العسير عليهم استيعاب فكرة الانتصار لغزة ومساندتها، وهو أمر لا خلاف عليه، بينما القمع والترهيب مستمران في الداخل.
لن تنتصر "الجماعة" لغزة ولن تكون سنداً لها قبل تبديد خوف اليمنيين منها، وتتصالح معهم وتتوقف عن قهرهم والاستعلاء عليهم بالنسب والانتماء الأسري والسلالي، وإذا ما فعلت فإنها ستكون قد حققت انتصاراً عظيماً يسمح لها بالتحول لنصرة الفلسطينيين، وغير ذلك سيكون بمثابة تصريح مفتوح لإسرائيل يمنحها حق تعريض اليمن للدمار والملاحقة والتشريد لمزيد من المواطنين داخل البلاد وخارجها.
ولا شيء يمكن أن يكون أكثر قساوة مما تفعله "الجماعة" حين تقدم البلد قرباناً لطموحات زعيمها الذي لا يخطئ العقل عن تفسير أقواله وأفعال مناصريه بكونها بعيدة عن الواقع، ولا ترتبط بمصالح اليمنيين عامة، ولا يمكن لها تغير موازين القوة، وفوق كل هذا فهي تصر على منح إسرائيل كل الذرائع لقصف اليمن، وترفع شعار "لا نبالي" في دلالة فاضحة لقيمة الإنسان في تفكيرها، لأن السلطة التي لا تكترث لحياة من يسكنون قسراً أو طوعاً في نطاق حيزها الجغرافي لا يجوز لها الحديث باسمهم، ولا جرهم إلى معارك عبثية لا طائل من ورائها.
إن أفضل وأوجب ما يمكن لهذه "الجماعة" فعله هو التيقن بأن حركة الزمن لن تتوقف عندها، وأن قراءة التاريخ من دون لا تحيز لا تخطئ في كشف الخاتمة التي ستؤول إليها، بظن أن السلاح وحده قادر على حمايتها من قدر الأحقاد التي ولّدتها، والنقمة التي سيحصدها اليمنيون، والتمزيق لكامل الأرض اليمنية.
إن حياة اليمنيين وممتلكاتهم يجب ألا تكون مقدمة على ما عداها من طموحات في ذهن قائد "الجماعة"، لأنها لا تستند إلى ركيزة وطنية وإنما إلى تصورات وروايات اختزنها من تاريخ قديم، غير مدرك أنها لا يمكن أن تتحول إلى حقائق ومسلّمات مهما بالغ في أوهامه.
يمر اليوم دهراً من الزمن على اليمني بسبب رعونة "الجماعة" وانسلاخ قياداتها عن بؤسه، وهي لا تسلّم بمدى عزلتها عن المجتمع وأن أفقها السياسي والاجتماعي والثقافي آيل حتماً إلى الفناء، لأنه نقيض لما يتقبله الناس وما توافقوا عليه لعقود طويلة.
*إندبندنت عربية
0 تعليق