قراءة صاخبة بهدوء لواقع الإعلام الأردني - جورنالك

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: قراءة صاخبة بهدوء لواقع الإعلام الأردني - جورنالك اليوم الأربعاء الموافق 8 يناير 2025 08:43 صباحاً

 لا يخفى على كل عين ثاقبة رؤية المشهد الإعلامي البائس الذي وصلت إليه الحالة الإعلامية في الأردن، بعد أن كان مضرب المثل في مستوى ومنسوب الحرية المتاحة للإعلام في المنطقة العربية. مشهد بدأت ملامح الانحدار له مع بدايات الربيع العربي قبل 15 عاماً، حيث انهارت حينها الحواجز والسقوف ووصلت مستويات التعبير لأبعد مدى ليس فقط في الأردن، وإنما في عديد من الدول العربية التي دخلتها الحراكات والمسيرات والاعتصامات في الميادين. وكان الأردن يحتمل مثل هذا المستوى من التعبير نتيجة وجود ثقافة معاشة تسمح بحرية معقولة للتعبير قبل بدايات الربيع العربي. ومن تجربة ممعنة في الكتابة الصحفية فقد مارست النقد لسنوات طويلة والذي طال أركان الحكومات ابتداء من رؤسائها وليس انتهاءً بوزرائها، فكان عنوان المقالة اليومي يتضمن كلمات من قبيل : الحكومة وفن الطبخ، الحكومة وهيفا، الحكومة وفن الواوا، الحكومة ووووو. وأنتجت تلك المرحلة كتباً ثلاث في مجال الكتابة الناقدة الساخرة والتي حملت عناوين " كله تمام، خلقنا لنعترض، مياو" لا بل كانت الرعاية لاحتفالات التوقيع تكون لرئيس وزراء أسبق، ورحم الله الدكتور معروف البخيت حين تماديت في أول إصدار لي أن طلبت منه باعتباره رئيس الحكومة حينها أن يكتب مقدمة الكتاب الناقد لحكومته بيده، لكنه اعتذر بسبب وجوده في الحكومة حيث أفاد أنه لو كان خارج الحكومة لما تردد في كتابة مقدمة الكتاب الناقد لحكومته.

الغاية مما سبق أننا في الأردن انتزعنا بحنكة وربما بدهاء مستوى مرتفع من إمكانية ممارسة العمل الصحفي والكتابة والتحليل والاستقصاء وإجراء اللقاءات والتقارير الصحفية إلى الحد الذي جعلنا في مرتبة متقدمة من حرية الصحافة على مستوى المنطقة العربية، وربما كان لا يفوقنا غير لبنان والكويت في ذلك. فما الذي تغيّر حتى أصبحنا في أدنى سلّم وترتيب الحريات الصحفية في العالم وفي المنطقة العربية.

كانت بدايات الانحدار تتمثل في تعديلات جرت على قانون المطبوعات الذي كان ينظم العمل الإعلامي برمّته، وكان هناك قضاة مختصين في قضايا الإعلام، وكانت أقصى درجات القيود القانونية في حجز حرية الإعلامي قبل المحاكمة، ولم تكن الغرامات تتجاوز أرقاماً بسيطة وتنتهي القضية بالطريقة الأردنية المعهودة والمتمثلة في " بوس اللحى" والتنازل عن القضية.

لكن مفترق الطرق بين تلك المستويات من حرية التعبير، وبين المستويات الحالية من المراتب الأخيرة في الحريات الأساسية وفي مقدمتها حرية التعبير، جاء مع استحداث قانون الجرائم الإلكترونية، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون الجرائم الإقتصادية، إضافة لقانون المطبوعات وقانون هيئة الإعلام المرئي والمسموع، وقانون أمن الدولة، وطبعاً قانون العقوبات المدنية. حيث أصبحت القيود مشددة سواء في مدة العقوبة أو في حجم الغرامات الكبيرة التي تعجز عنها المؤسسات فما بالك بالأفراد. وأصبحت القضايا يمكن تحريكها من خلال الإدعاء العام دون الحاجة للإدعاء الشخصي، وتم فك الارتباط بين الغرامات والتنازل عن الحق الشخصي، أي أنه حتى لو كان هناك تنازل من طرف المشتكي، فإن الحق العام يظل سارياً.

ومع تعديلات جذرية أجريت على قانون الجرائم الإلكترونية، حيث تم تغليظ العقوبات وزيادة الغرامات والتشدد في سلطة القانون عبر مفاهيم واسعة وفضفاضة مثل اغتيال الشخصية والكراهية وذم الهيئات وغيرها من مفاهيم جاهزة لمحاكمة أي فرد.

والمتتبع لسير الإعلام وواقعه في الأردن سيلاحظ أنه منذ عام 2021 أصبح مجرد من أية مقومات العمل الصحفي الحقيقي، فلا مجال للتحليل العميق، لا مجال لإجراء المقابلات الجريئة الناقدة، لا مجال لإجراء تحقيق استقصائي جاد، لا مجال لنقد أي مسؤول مهما بلغت مرتبته.

لقد قمت بمتابعة أكثر المواقع الإعلامية الأردنية الرسمية والخاصة منها، كان محتوى المواقع يتشابه بنسبة لا تقل عن 80% وهو محتوى ساذج يتضمن أخباراً رسمية في افتتاح أو زيارة أو تصريح أو لقاء أو أي خبر عن أي مسؤول، ويكفي الولوج لأي موقع لتحصل منه على محتوى كافة الماوقع الإعلامية الأخرى.

فيما لم يعد للكتابة الصحفية المقالية ذاك المستوى المرتفع من التحليل والنقد الواضح للمارسات والعمل الإداري العام والخاص، فلا يجرؤ كاتب أن يتناول شركة أو مؤسسة أو هيئة أو وزارة، إلا ويكون الرعب من سطوة القانون حاضر بقوة.

الحقيقة المرّة لواقع الإعلام الأردني أنه يمرّ في حالة رديئة من مستويات العمل الإعلامي ومن تدنّي منسوب الحرية الإعلامية، ومن ضحالة المحتوى الإعلامي المقدّم، ومن ذعر مقيم بين الكلمة والكلمة، بين الصورة والصورة، بين التعليق والتعقيب.

بشكل موجز ومباشر فإن الإعلام الأردني الحالي يتسم بما يأتي:

1- عدم وجود تمايز بين الوسائل والمواقع الإعلامية.

2- عدم وجود محتوى إعلامي متنوع وتظهر فيه بصمة فريدة لهذا الموقع عن ذاك الموقع.

3- عدم الاختلاف في نسبة كبيرة من المنشورات والأخبار المتناقلة حتى بأخطائها اللغوية والإملائية.

4- عدم رصانة وجرأة الكتابة الصحفية التي تقدم مشهداً ناقداً مستقلاً وجريئاً.

5- انحدار كبير في مستويات الطرح للمواضيع والمواقف السياسية والاجتماعية.

6- تمدد مواقع التواصل الاجتماعي العالمية على حساب مواقع الإعلام المحلية.

7- هيمنة من يدعون بالمؤثرين الذين يقدمون وجبات كبيرة من التفاهة وانعدام القيم الإعلامية على المشهد الإعلامي العام.

8- انحدار مستويات الإعلاميين المهنية نتيجة القيود المفروضة على الوسط الإعلامي.

9- بيئة غير صديقة لحرية التعبير والنقد والمهنية الإعلامية الحقيقية.

10-عدم الشعور بالأمن الوظيفي والشخصي للإعلاميين.

أما المطلوب من أجل رفع سوية الإعلام ومنسوب الحرية الصحفية فيتمثل بما يأتي:

1- إعادة النظر الجذرية في قانون الجرائم الإلكترونية وعدم ربط حرية الكلمة بالجريمة الإلكترونية.

2- التوسّع الحقيقي في توفير المعلومات وفي سهولة الوصول إليها دون عوائق إدارية أو شخصية.

3- دعم الإعلاميين وتوفير المنصات مرتفعة الحرية وتوفير الإسناد المالي لهم.

4- مراقبة وتحصيل العوائد من المقتحمين للإعلام تحت ذرائع شتّى. خاصة أولئك الذين يقومون ببث مباشر وعمل الدعايات لهذا المنتج وتلك السلعة.

5- الوقوف على مسافة واحدة من جميع الإعلاميين والكتّاب ومنحهم ذات المساحة والسقوف في التعبير.

6- فتح المجال للرأي الآخر بشكل لا لبس فيه وباعتباره رأي وطني مقدر، وإتاحة الظهور الإعلامي لكافة الأطراف على كافة القنوات والوسائل الإعلامية الرسمية.

7- التمييز الواضح بين من يمارس التفاهة أو إثارة النعرات والضغينة والعنصرية والكراهية، أو يعرض محتويات غير أخلاقية ويروّج لأعمال جنسيية، وبين من يعرض رأياً ناقداً إعلامياً.

ربما لم يتم التحليل الحصيف والكامل للحالة الإعلامية الأردنية، لكن أزعم أنها ىمحاولة لفتح الباب والمجال لإثراء الحوار حول واقع ومستقبل الإعلام الأردني.

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق