نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: ‘‘الزوامل’’ في اليمن من زمن ‘‘دُق يانوس’’ إلى... - جورنالك اليوم الخميس 9 يناير 2025 12:05 مساءً
شعر " الزوامل " اليمنية قديم ويعود إلى ما قبل الإسلام ، لكن أول ذكر لهذا النوع من الشعر الشعبي الحماسي الذي يشبه شعر الرجز العربي ورد في الجزء الأول من كتاب " الإكليل " للمؤرخ والعالم الموسوعي اليمني الأكبر أبو محمد الحسن الهمداني ، إذ كتب يقول :
" وسمعت رجال بني نهد تنشد في أشعارها و " تزومل " في حروبها :
يا أَيُّهَا الدّاعِي ادْعُنا وَابْشِرْ
وَكُنْ قَضَاعِيًّا وَلَا تَنْزِرْ
نَحْنُ بَنُو الشَّيْخِ الهجانِ الأَزْهَرِ
قَضَاعَةٌ مِنْ مَالِكِ ابْنِ حِمْيَرِ
النَّسَبُ المَعْرُوفُ غَيْرُ المُنْكَرِ
مَنْ قَالَ قَوْلًا غَيْرَ ذَا " تَنْصُرْ "
في تراثهم الأدبي والغنائي القديم ، ترنم اليمنيون بأغاني الحُب والزراعة والعمل ، مثلما أبدعوا في أهازيج الحروب والزوامل الحماسيّة في المناسبات الإجتماعية والصراعات والمواجهات.
كان البشر دوما بحاجة لما يثير حماسهم ، شعراً ، أهازيج ، زوامل ، مهاجل ومهايد ، او غناءاً حماسياً حربياً.
الزوامل نوع من الشعر الشعبي الحماسي الملحون ، عُرف في اليمن من أزمنة قديمة تمتد إلى ما قبل الإسلام ، تستخدمه القبائل اليمنية في المناسبات الإجتماعية والمواقف والصراعات ، لكن ذروته كانت في المواجهات والحروب.
-تاريخ " الزامل " وإختلاط الواقع بالأسطورة
عدى إشارة الهمداني ، توجد إحالات عديدة لذكر " الزامل " في التاريخ القديم ، لكن الأسطورة تختلط بالواقع في هذه المرويات التاريخية.
بناء الهويات عمل سردي ، يستوي في ذلك كتابة التاريخ مع الكتابة السردية التخيلية ، إذ يتداخل السردي التاريخي بالمتخيل الشعبي ، وتاريخ " الزامل " شعراً وغناءاً يشبه سير الشخصيات الكبرى في التاريخ اليمني الني يختلط تاريخها الواقعي بالأساطير والملاحم السردية التي كتبت عنها ؛ وأبرز مثالان في تاريخ اليمن هما الملكان سيف بن ذي يزن وأسعد الكامل .
مثلما يُحبّك التاريخ ، فإن الهوية تكون عرضة للتحبيك أيضاً. كل أمة تؤلف سردها الخاص أو تحبيكها الخاص لتاريخها الثقافي ، وهو ما يكون " الهوية السردية " بحسب بول ريكور.
يشير ادوارد سعيد ان الهوية القومية تتداخل باستمرار في السرد ، سرد ماضي الأمة وسرد أجدادها المؤسسين وسرد الوثائق والوقائع الأصلية.
أمامي عدة مرويات لتاريخ الزامل قبل الإسلام.
أولها حكاية شعبية ، تؤصل علاقة الزامل بالسرد الشعبي الشفوي.
تروي هذه السردية أن بعض القبائل فرَّت في سنة " دق يانـوس " إلى الجبال خوفاً من هجوم الغزاة الرومان ، وفي هدأة الليل سمعت أصواتاً مرتفعة كثيرة العدد ، أصوات فاتنة في إيقاعاتها لم تسمع مثلها حماساً وقوة ، وكانت تُردِد باللغة الشعبية زاملاً يهز النفوس ويدفع الدم في العروق ويبدد ظلام الليل الدامس ، وقد أصغى إليه المختبئون في الجبال وحفظوه ، وكلماته أصبحت أيقونة عبر الأجيال حتى وقتنا الحاضر ، ومن أقوى الزوامل في تاريخ اليمن ، ومن أبياته الشهيرة :
قبح الله وجهك يا الذليل
عـاد بعد الحرايب عافية
عند شبَّ الحرايب ما نميل
با تِجيك العلــوم الشافية
وكانت أصوات الزمّالين تقترب فتثير الفزع، وتبتعد فترجعها الرياح.. وكانت القبائل المختبئة تخرج من مخابئها فلا ترى أحداً، وإنما تسمع ضجيجاً وتشاهد أمواج الغبار، فعزى المختبئون ذلك إلى اشتعال حرب بين الجن، لكن ذلك الزامل المتدفق بالحماس هيجهم ، فتبدد الخوف من نفوسهم واندفعوا لمقارعة العدو.
هذه السردية تشير إلى الغزو الروماني بقيادة اكتافيوس ، في مطلع القرن الثالث الميلادي، وإلى هذه الفترة تنتسب نشأة الزوامل، وتعيدها السردية التحبيكية إلى الجن ، قبل أن تتحول إلى فن حماسي شعبي يمني تناقلته الأجيال حتى وصل إلينا بصيغهُ المتعددة.
إشارة تاريخيّة أخرى تتحدث عن ما ذكره " ثيونانس " ، وهو مؤرخ يوناني عاش في أوائل القرن السادس ، وتكلم عن الوفد الذي أرسله قيصر الروم إلى ملك حِمْيَر في اليمن ، وهو الوفد الذي رأسه شخص يدعى " يدليانوس " الذي ذكر أنه رأى الملك الحميري عندما خرج في موكبه واقفاً على عربة، أو مركبة تجرَّها أربعة أفيال، وليس على هذا الملك من الملابس إلا مئزراً محوكاً بالذهب حول " حقويه " وأساور ثمينة في ذراعيه، ويحمل بيده ترساً ورمحين، وحوله رجال الأشداء الحميريين حاملين الأسلحة، وهم يتغنون بإطرائه وتفخيمه.. بيننا كان السفير يقدم للملك الحميري كتاب القيصر وهداياه.
ثالث هذه الإحالات التاريخية يشير إليها مؤلف كتاب " اليمن من الباب الخلفي " ، في حديثه عن التشابه في ألحان الغناء ، وكذلك في الطريقة التي تؤدى به في المغرب العربي مع الالحان الشعبية والزوامل القبلية في اليمن ، ويتفق معه الفنان محمد مرشد ناجي بوجه عام ، وهو رأي يستند إلى زوامل سجلها المؤلف عند عدة قبائل في اليمن.
المستشرق والمؤرخ الألماني الشهير "نودلكه " كتب يقول ان البربر جاؤوا الى شمال أفريقيا من الجزيرة العربية -اليمن ".
ولكن الفنان محمد مرشد ناجي تحفظ في كتابه " فن الغناء اليمني القديم ومشاهيره " على ما أورده نودلكه من ان نشيد الزامل بدرجاته اللحنية الخمس ، موجود في شرق آسيا ، وان " فان اورت " في كتابه " الموسيقى المنغولية " اعتبر هذه الدرجات من خصائص المغول.
تحفظ الفنان المرشدي هنا برّره بإختلافه مع المؤلف الذي أتخذ هذه الخصائص اساسا لحكمه دون غيرها.
العالم الموسيقي فان هور نبوستيل كتب أن نشيد الزامل له نفس هذه التعابير الموسيقية من عصور ما قبل التاريخ ، وأنها انتقلت الى الغرب بواسطة شعوب البربر.
يلتقط الفنان المرشدي هذا الرأي ليقول أن لديه كل اليقين ، بأن النغم الشعبي اليمني ، ومن فروعه نشيد الزامل قد أنتقل في الاساس من اليمن إلى المغرب وغيره ، وليس كما قال فان اورت بأن نشيد الزامل قد نُقِل من الموسيقى المنغولية ، أو على حد تعبيره بانه اعتبر درجات تشيد الزامل من خصائص المغول الموسيقية.
-التسمية وعلاقة الزامل بالرجز وتعريف البردوني
هناك ارتباط بين “الزامل” و”الرجز”، إذ إن الرجز في التراث العربي يُعرف بوزنه السريع وقافيته المرنة، ويُستخدم في المواقف الحماسية، مما يجعله قريبًا من روح “الزامل”. ومع ذلك، يبقى “الزامل” مميزًا كمنتح يمني فني خاص يعبر عن اليمني وتاريخه ومجتمعه وصراعاته وروحه المتجلية في المناسبات والمواجهات وكل ما يتطلب الحماس والتصعيد النفسي.
تسمية هذا النوع من الشعر الشعبي اليمني بـ”الزامل” تسمية يمنية خالصة من التراث اليمني العريق، وتشير إلى نمط شعري مرتبط بأغراض الحماسة والفخر والتكاتف الاجتماعي. الزامل ليس مجرد شعر شعبي حماسي في الحروب ، بل هو أيضًا وسيلة للتعبير عن القيم القبلية والعرف والتقاليد، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بأداء جماعي حماسي.
يتبين معنى " الزامل " في قول الشاعر :
لا يُغلب النازع ما دام “الزَّمَلْ”
إذا أكبَّ صامتاً فقد حَمَلَ
يُبرز هذا البيت دور للزامل كعنصر أساسي في تحفيز الجماعة وتعزيز التلاحم بينها، خاصة في مواقف الحروب والنزاعات. كلمة “الزَّمَلْ” هنا تشير إلى القوة المتأتية من الوحدة والتآزر، وهو جوهر وظيفة هذا النوع من الشعر الشعبي.
نخلص هنا إلى أن " الزامل " هو شعر شعبي يمني يشبه الرجز ، يقال في مناسبات عديدة ، مواجهة قبلية ، صلح ، حرب.
يقوله البداع ويزمل به احدهم فيرتجز بضعة أبيات بلهجته العاميه ، فيتلقفها القوم وينغمونها باصواتهم ، ثم ينشدونها جميعا لإثارة الحماس ، وتحفيز الهِمَمْ.
يُعرِف الشاعر عبدالله البردوني " الزامل" بقوله :
"أن هذا النوع من الادب الشعبي أشبه بأراجيز الحرب والمناظرات القولية من حيث التعبير المباشر عن الغرض ، ومن ناحية التحمس المعنوي للإستقتال ورد المقاتلين ".
وفي مستهل هذا البحث الذي نُشِر في صحيفة 13 يونيو في عهد الحمدي ، وتناوله محمد مرشد ناجي في كتابه عن الغناء اليمني القديم ، يعطينا الاستاذ البردوني صورة لنشأة " الزامل " في القُرى ، حيث يقول :
" فعندما يجتمع الناس في القرى لتلبية أي حادث يصنع " البداع " شطرين أو ثلاثة أشطر يرددها الصف الأول على درجات ، أولاً بأصوات قراءة للحفظ ، ثانياً تجربة الأداء بأصوات خافتة، وبعد أن يتأكد البَداع من حُسن الأداء تعلو الاصوات بالزامل .. ولا بد أن يكون معبراً عن الحدث الذي استدعى التحرك ، واذا كان الجمع كثيفا يقسم إلى صفوف : الصف الأول يفصح عن المناسبة كما نظمها البداع ، والصفوف الاخرى تطلق زوامل متعددة الايقاع ، لا يشترط في اصواتها الدلالة على المناسبة لأنها تتوخى مجرد رفع الصوت كبرهان على الكثرة المندفعة ، ولا يشترط ان يكون القائل معروفاً ، لأن المراد رفع الصوت بأي اثر محفوظ.
وقد يختلف الاداء فزامل الخروج هو نوع زامل الوصول ، أما ما بين المكانين فلا يكون الزامل إلا مجرد تنشيط حركة متعددة الايقاع والصفوف.
ويشترط في لغة الزامل أن تكون منظومة على عدة أنغام متقاربة الإيقاع ."
غالبا تكون لغة الزامل عامية. وتتفاوت القطعة ما بين بيتين وثمانية أبيات
-بن غودل وزوامل السبعينات وخيلت براقا لمع
أول أغنية في تاريخ الزوامل سُجلت على أسطوانات " خيّلت بارق لمع “ سجلها الفنان إبراهيم الماس منتصف القرن الماضي في عدن.
الموسيقار أحمد بن غودل صاحب حس فني رفيع ، تمكن من جمع أهم ألحان في تاريخ الزوامل اليمنية القديمة وأستخدمها في إعداد أوبريت " خيّلت براقاً لمع "
أحد هذه الألحان القديمة المستوحاة من موروث الزوامل القديمة ، أغنية وطنية أنتجت في عدن السبعينات بعنوان " يا سلام ثوري " غناها الفنان فيصل علوي أيام سالم ربيع علي :
يا سلام ثوري على جيش شعبي
عندهم للخصم قطع النفوس
يحرسون الأرض يحموا مكاسبها
ويمسوا بالمتارِسْ حُروسْ
وهو نفس لحن أنشودة ثورية في نفس المرحلة في صنعاء يقول مطلعها :
يا جماهير سبتمبر وأكتوبر
يا حُماة الديار في بحرنا والبرْ
الزوامل تعطي الصراع والقتال بعداً فنياً تحتشد فيه الروح الى ذروة مستوياتها وتُستنْهَضْ طاقاتها وقدرتها على المواجهة من أعماقها الغائرة.
قادة الحزب الاشتراكي الأوائل في الجنوب اهتموا كثيراً بالزوامل ، ومعظم النتاج المعاصر للزوامل الثورية المستوحاة في أغاني ظهر في تجربة الحزب الإشتراكي في الجنوب أو على الأقل تم إحياءهُ في تلك الفترة الثورية.
لا صراع ولا حرب في اليمن إلا وعرفت أغاني تعبوية تنسخ ألحان ونغمات زوامل قديمة.
الشعر الحماسي الشعبي الملحون في اليمن كان يتخلق بصيغة " زوامل " في مرحلة معينة من تطور المجتمع اليمني "ماقبل الدولة " ، وأناشيد وطنية بعد تشكل الدولة الوطنية في شمال اليمن وجنوبه منتصف القرن الماضي. غير ان هذا التحديد لا ينفي استمرارية " الزوامل " في المناسبات الاجتماعية ، وتطور نمط منها في مرحلة الدولة في شطري اليمن قبل الوحدة وبعدها ، بعد تحوله إلى أغاني حماسية استلهمت ثيماته اللحنية وطابعه اليمني الخاص.
كل الزوامل المحولة إلى أناشيد ، ألحانها قديمة أُخِذَتْ من ألحان زوامل قديمة ، وحتى من أناشيد حديثة ، مع تغييرات وتنويعات لحنيية تختلف حسب المرحلة السياسية ونغمتها السياسية.
يقال أن لا لحن جديد في الغناء اليمني الحديث إذ أن أغلبها تنسخ من فورمات قديمة من ارث التراث الغنائي اليمني القديم.
ونفس الحال ينطبق على الزوامل
مع فارق الأداء ونغمة الحركة أو التيار الذي يطبع التجديد بطابعه ومضامينه.
الحروب ساعدت على بقاء فن الزامل عبر تاريخ اليمن القديم والحديث. اليوم يكاد أن يتحدد تعريف حصري لهذا النوع من الأهازيج الحماسيّة في وعي اليمني. الأول صورة باهتة لدراما قبلية تُستخدم في مناسبات محددة ، لم تعد قادرة على جذب الاهتمام. وعرفت في العقود الماضية بصورة سلبية ، مرتبطة بالفيد ، والعصبية القبلية في محطات صراع داخلي عديدة شكلت صورة منفرة عن هذا النوع من الفن الشعري والغنائي العريق.
الظهور الآخر للزامل أمام الجمهور اليمني ينحصر في شكله الحربي المباشر ، وقد تحول إلى تسجيلات تعبوية ، اكانت ضمن صراع سياسي ، او مواجهات حربية.
-شعر شعبي حماسي يبث الدم في العروق
" أنا لا أسمي أولئك الذين ينضمون الكلم ، مقفى أو غير مقفى ، شعراء. الشاعر عندي هو الرجل القادر على تغيير العالم تغييراً عميقاً. ليعلن هذا الشاعر نفسه ، إن كان موجوداً بينناً. ليرفع صوته ! لكن عليه أن يكون صوتاً يغطي هدير القنبلة. عليه أن يستعمل لغة تذيب قلوب الناس وتجعل الدم يغلي في العروق. "
هكذا كتب الروائي الأمريكي هنري ميللر في كتابه " رامبو وزمن القتلة "
في كتابه هذا عن الشاعر الفرنسي رامبو ، يفصح ميللر عن الإحتياج للشعر الذي يقلب الروح ويوقد فيها قوة الوجود.
أنواع عديدة من الشعر في تطوره التاريخيّ تتضمن هذا التحميس الذي يستحضره ميللر ، لعل واحد منها في تاريخ اليمن هو شعر " الزامل " ، احد أنواع الشعر الشعبي اليمني الملحون .
يتحدث ميللر عن الشعر الحديث ، وربما لا يستوعب جيل ثقافة الحداثة الآليين ان يأتي كلام مثل هذا من روائي أمريكي متحرر ، لا من ذائقة تقليدية تصدر عن شيخ قبلي ، في مأرب أو خولان مثلاً.
كانت الدعوة العليا ، أن تكون شاعراً ، في رأي ميللر ، لكنه يقول أن رسالة الشاعر أصبحت أكثر الدعوات عقماً.
" نحن لا نزال نجد معنى في صرخة القنبلة ، لكن هذيانات الشاعر تبدو لنا رطانة. أين هو الآن خياله المجنح ؟ الحقيقة ماثلة أمام عيوننا ، عارية تماماً ، لكن أين الأغنية التي تعلنها ؟ "
يُسائل ميللر الشاعر هنا ، ليكون صوت الحياة ضد الحرب ، كتابة قصائد للحياة
ج معبأة بقوة إحساس إنساني يمتلك قوة تفوق قوة القنابل.
مع ذلك ، كانت الحرب دوماً ملازمة لوجود الإنسان على الأرض ، ومعها أنتجت المجتمعات البشرية رقصات الحرب وأهازيجها الحماسيّة وأناشيدها و " زواملها "
*بلقيس نت
0 تعليق