نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: نهاية حرب، وبداية عهد - جورنالك اليوم السبت 11 يناير 2025 01:42 مساءً
على تخوم ميدان السبعين، حيث اعتاد الحوثيون جمع المساكين كلَّ جمعة تحت شعاراتٍ لم تعد تنطلي على أحد، غدت السماء مسرحًا لعشرين غارةٍ أمريكيةٍ وبريطانية تتناثر كالشظايا فوق صنعاء وعمران والحديدة وصعدة، حتى بدت مخازن الأسلحة كأنها أوكارٌ من ورق تتهاوى تحت ضربات متواصلة لا تهدأ. وفي الخلفية، تلتمع شراراتُ أول مشاركةٍ إسرائيلية، تنسج خيوط تحالفٍ دوليٍ يرسم لليمن خريطةً أخرى بلا أدنى رحمة.
لم يعد الحوثي الآن مجرّد مشروعٍ محدودٍ يُواجَه بضرباتٍ تأديبية عقب كل هجوم، بقدر ما صارت الآلة العسكرية تلاحقه حيثما توارى، وتجرده من حصونه في الجبال الوعرة وموانئ البحر. وبينما تضغط واشنطن بأثقالها لعسكرة المنطقة، تبدو بعض العواصم العربية كأنها تتوارى خلف ستائرٍ شفّافة، مكتفيةً بتمويلٍ ودعمٍ لوجستي، في حين تقف القاهرة على شرفة أزمتها الاقتصادية، تطلّ من عليائها بقلقٍ يتجاوز أرزاقها المنكمشة في قناة السويس.
وعلى أرضٍ تتآكلها جراحٌ تراكمت عامًا بعد عام، يمعن الحوثي في العبث بقدسية القبيلة، مُوغِلًا في انتهاك حرائرها واستباحة دمائها. كأنما نسي أن القبائل التي تشبه جذور السدر العتيقة، إن استُفزّت، لن ترحم من استسهل ذلَّها. هكذا توحَّدَ صوتُ الناس في المدن والموظفين المهمَّشين وأبناء العشائر، وكأن شعورًا جارفًا بالنقمة ينهض من تحت رمادٍ ثقيل.
وفي غمرة هذا التصاعد الذي يشبه إيقاعاتِ طبولٍ لا تكفّ عن الضجيج، تلوح في الأفق بوادر مواجهةٍ دمويةٍ لا مجال فيها لأنصاف الحلول. تتسعُ رقعةُ الاستهداف لتشمل خطوط الملاحة التجارية، فينهض العالمُ من صمته، مدفوعًا بمصالحه الاقتصادية وأمنه الإقليمي. وما بين سطوة الأقمار الصناعية وتنسيقِ جيوشٍ متعددة اللغات، يجد الحوثي نفسه يقترب أكثر من حافة الهاوية، وقد آن للجميع أن يختبروا اشتعال فتيلٍ لن يكون إطفاؤه ميسورًا.
هكذا يُفرض على اليمن فصلٌ جديد من الدراما العسكرية، تُكتبُ سيناريوهاته بأحبارٍ أجنبية، وتختمهُ قراراتٌ دولية تلوّح بإعادة الحوثي إلى حجمه الأول. في مشهدٍ كهذا، يستحيل على الميليشيا أن تُبقي على مناطق نفوذها، وهي التي باتت تستعدي على نفسها حتى أبناء الأرض، في لحظةٍ قد تجرُّ العالم نحو خاتمةٍ لا تشبه سوى نقطةِ دمٍ على ثوبٍ أبيض، لا تُمحى إلا بمواجهةٍ أخيرة تُعيد رسم خرائط الوجع والتاريخ.
0 تعليق