شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: التمديد لقائد الجيش على الطاولة... كيف تُفهَم رسائل "حزب الله" الأخيرة؟! - جورنالك ليوم السبت 9 نوفمبر 2024 03:17 صباحاً
قبل نحو شهرين من انتهاء الولاية "الممدّدة" لقائد الجيش العماد جوزاف عون، بموجب القانون الذي أقرّه مجلس النواب وقضى برفع سن التقاعد لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية برتبة لواء وعماد لمدة سنة واحدة، يبدو مسلَّمًا به في الأوساط السياسية أنّ سيناريو "التمديد" سيتكرّر، وإن تفاوتت صيغ الإخراج، بين اقتراحات قوانين تحصر التمديد بشخص عون، وأخرى توسّعه ليشمل سائر قادة الأجهزة الأمنية، لإبعاده عن طابع "الشخصنة"، إن صحّ التعبير.
وعلى الرغم من أنّ العديد من الأطراف لم تدلِ بدلوها بعد من اقتراح التمديد لقائد الجيش، وسط توقعات بأن يبدي البعض منها على غرار "التيار الوطني الحر" معارضة "مبدئية" للمشروع، تتعامل القوى السياسية مع هذا الاستحقاق على أنه "تحصيل حاصل"، للعديد من الأسباب والاعتبارات، بينها عدم جواز تعريض استقرار المؤسسة العسكرية لأيّ اهتزاز، فضلاً عن الحرب الإسرائيلية، والتي تفترض الإبقاء على الهيكلية الأمنية المعمول بها.
إلا أنّ ما استوقف الانتباه في الأيام الأخيرة، كان الموقف الذي صدر عن الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، والذي صُنّف "سلبيًا" من قيادة الجيش، وذلك على خلفية حادثة الإنزال البحري في منطقة البترون الشمالية، حيث طالب الرجل الجيش بإصدار بيان وموقف واضح يشرح الخرق الذي حدث، حتى لو كان هذا التوضيح من نوع أنّ الجيش لم يكن قادرًا على منع الخرق، أو كان عاجزًا عن التصدّي له، مع ما قد يختزله ذلك من "إساءة" للجيش.
وقد أثار موقف "حزب الله" الكثير من اللغط في الأوساط السياسية، خصوصًا أنّ "حملة" على الجيش كانت قد انطلقت قبله عبر منصّات التواصل الاجتماعي، ما دفع كثيرين إلى التساؤل عمّا إذا كان الحزب "تسلّل" من حادثة البترون ليوجّه رسالة "سلبية" لقائد الجيش، على أعتاب استحقاق التمديد المفترض له، علمًا أنّ "الثنائي الشيعي" لم يبتّ موقفه بعد من هذا التمديد، حتى إن المحسوبين على رئيس مجلس النواب يقولون إنّ الوقت لا يزال مبكرًا لذلك.
في المبدأ، يقول العارفون إنّ ثمّة قناعة راسخة بأنّ التمديد الثاني لقائد الجيش العماد جوزاف عون "حاصل"، رغم كلّ الأخذ والردّ الذي قد يحيط بهذا الاستحقاق، إذ ثمّة توافق ضمني بين كلّ الأطراف على أنّ الفراغ في قيادة المؤسسة العسكرية ممنوع، ولو أنّ "التيار الوطني الحر" مثلاً يطعن بهذه الفرضية من أساسها، باعتبار أنّ قانون المؤسسة لا يعترف أصلاً بالفراغ، وأنه يحدّد بوضوح "البدائل" التي يمكن اللجوء إليها.
في هذا السياق، يتحدّث العارفون عن العديد من الأسباب "الموجبة" للتمديد لقائد الجيش تفوق في "حساسيتها" تلك الأسباب الموجبة التي استند إليها قانون رفع سن التقاعد لقادة الأجهزة الأمنية الذي صدر العام الماضي، ومن بينها الظروف الأمنية الدقيقة والاستثنائية التي يمرّ بها البلد، ولا سيما أنّ "جبهة الإسناد" التي كانت مضبوطة إلى حدّ بعيد بقواعد اشتباك شبه معلنة، ارتقت إلى حرب إسرائيلية واسعة ومدمّرة، تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء.
ويُضاف إلى ذلك، استمرار الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية، وبالتالي تعذّر تعيين قائد جديد للجيش وفق الأصول، في ظلّ رفض شريحة واسعة من اللبنانيين أيّ تعيينات من هذا النوع قبل انتخاب رئيس، وفي وقت أضحى واضحًا أنّ هذا الاستحقاق "رُحّل" إلى ما بعد وقف إطلاق النار، علمًا أنّ الأنظار ستكون مركّزة على الجيش تحديدًا في أيّ "تسوية" يمكن التوصّل إليها، وقد أضحت ملامحها شبه واضحة، استنادًا إلى القرار الدولي 1701.
انطلاقًا من ذلك، يشدّد العارفون على أنّ التمديد لقائد الجيش لن يكون مادة خلافية، متى حانت "ساعة الحقيقة"، إن صحّ القول، حتى إنّ المعارضين للتمديد سيكتفون على الأرجح بـ"تسجيل موقف"، من دون أن يخوضوا "معركة جدّية" على هذا المستوى، لا تبدو البلاد جاهزة لها في أيّ شكل من الأشكال، ليبقى النقاش فقط حول "الإخراج المناسب"، وسط توقّعات باستنساخ سيناريو العام الماضي بحذافيره، من خلال "سلة متكاملة" تشمل مختلف الأجهزة الأمنية.
ومع افتراض "حتمية" التمديد لقائد الجيش بمعزل عن المواقف التي تُسمَع هنا وهناك، يقول العارفون إنّه لا يمكن القفز فوق مواقف "حزب الله" التي تكاد تكون غير مسبوقة من الجيش، ولو حصرها بحادثة البترون، إذ يرى كثيرون أنّ الحزب أراد التعبير عن "استياء" في مكانٍ ما من أداء قائد الجيش، ربما ربطًا بما يُحكى في المفاوضات عن كواليس "اليوم التالي" للحرب، الذي سيكون الجيش قبلة الأنظار فيه.
هنا، تتفاوت وجهات النظر، إذ ثمّة من يرى أنّ "حزب الله" تعمّد التصويب على الجيش بشكل أو بآخر، بدليل قول الشيخ قاسم إنّه "لن يتّهم"، وهو تعبير يختزل بحدّ ذاته اتهامًا مبطنًا، ويعتبر أصحاب هذا الرأي أنّ كلامه انطوى على "إساءة" للجيش في كلّ الأحوال، سواء لجهة التلميحات غير البريئة عن تقاعس، أو حتى لجهة الحديث عن "عجز وعدم قدرة"، وهو ما يقول خصوم الحزب إنّه يتعمّد تسليط الضوء عليه لتبرير وجوده ومشروعيّته.
في المقابل، ينفي المقرّبون من "حزب الله" أن يكون الأخير منخرطًا في أيّ حملة على الجيش، وهو المتمسّك بثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" بوصفها "المعادلة الذهبية" التي تحمي لبنان، مشيرين إلى أنّ كلام الشيخ قاسم الأخير كان محصورًا بحادثة محدّدة هي إنزال البترون، وقد وقع في منطقة لا وجود للمقاومة فيها، وسمح لإسرائيل بتسجيل نقطة على الحزب في الحرب النفسية التي تخوضها معه، وهو ما يعتبر الحزب أنّه كان بالإمكان تداركه.
يقول هؤلاء إنّ "حزب الله" يخشى أن تتكرر هذه الإنزالات في المرحلة المقبلة، خصوصًا أنّ الإسرائيلي يحقّق من خلالها ما يعجز عن تحقيقه في الجنوب، حيث لا يزال حتى اليوم عاجزًا عن تصدير صورة كتلك التي صدّرها في البترون، ولذلك فإنّ مطالبة الجيش بإصدار موقف يشرح ما حصل، يأتي من باب العمل على أخذ العبر وتفادي مثل هذه الحوادث مستقبلاً، بعيدًا عن أيّ توظيف أو استثمار سياسي يرفضه الحزب في الوقت الحالي.
في كلّ الأحوال، وبمعزل عن الأخذ والردّ هنا وهناك، ثمّة ثابتة أكيدة، وهي أنّ التمديد الثاني لقائد الجيش وُضِع على الطاولة، بل "على النار"، بل إنّ الإجراءات التنفيذية سلكت طريقها، في ظلّ حديث عن اقتراحات قوانين تتوالى، يُعتقَد أنّ كتلة "الاعتدال" ستقدم أشملها. وإذا كان صحيحًا أنّ التمديد أضحى "أسهل الحلول"، في بلادٍ يتمدّد فيها الفراغ بين المؤسسات، فإنّ الإشكالية تبقى في طبقة سياسية "تستسهل" الحلول، بدل تطبيق القوانين!.
0 تعليق