شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: "مفاوضات تحت النار".. إسرائيل تطلق "مرحلة جديدة" من حربها على لبنان؟! - جورنالك ليوم الخميس 14 نوفمبر 2024 03:38 صباحاً
قبل أن يجفّ حبر التسريبات الإسرائيلية المكثّفة عن اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار في لبنان، وعن مفاوضات بلغت أوجها بعيد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، على حساب منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، كان الميدان "يشتعل" من جديد على كلّ الجبهات، على وقع تصعيدٍ لافتٍ في العمليات العسكرية، تجلّى خصوصًا بالانتقال إلى "نمط جديد" في استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، خلال ساعات النهار لا الليل، كما درجت العادة.
وفي الجنوب، لم يكن الوضع مختلفًا، بعد مصادقة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي على ما سُمّي بتوسيع العملية البرية، ليعلن الإعلام الإسرائيلي بعد ساعات فقط عن بدء "المرحلة الثانية" من الهجوم، ودخول الفرقة 36 في الجيش الإسرائيلي على خطّ المعارك، حيث تولّت "تعميق العملية البرية باتجاه مناطق جديدة في خط القرى الثاني في جنوب لبنان"، على الرغم من أنّ الإسرائيليين قالوا قبل أيام فقط إنّ العملية البرية في لبنان "استنفدت أهدافها".
وبالتوازي مع كلّ ذلك، تواصلت المجازر الإسرائيلية المتنقّلة بين المناطق، بما في ذلك تلك المصنّفة "آمنة"، خصوصًا في محافظة جبل لبنان، في إطار ما يصفها الإسرائيليون بـ"العمليات الدقيقة"، ولو أنّها افتقدت الكثير من "دقّتها" في الآونة الأخيرة، بغياب معلومات موثوقة عن "أهدافها الحقيقية"، خلافًا لما كان عليه الأمر في الأيام الأولى من الحرب، حين كانت إسرائيل تسارع للإعلان عن اغتيالها قياديين في "حزب الله"، بعد كل ضربة من هذا النوع.
إزاء ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام عن أسباب وخلفيّات التصعيد الإسرائيلي المتجدّد، والحديث عن "مرحلة جديدة" من الحرب بالتوازي مع الانفتاح على وقف إطلاق النار، فهل تريد إسرائيل من ذلك أن تكرّس مبدأ "التفاوض تحت النار" مثلاً، أم أنّها توجّه رسائل "مسبقة" في حال عدم التجاوب مع شروطها، وبين هذا وذاك، كيف يتلقّف "حزب الله" مثل هذه الرسائل، وبأيّ طريقة يمكن أن يتعامل معها، في الميدان وعلى طاولة المفاوضات؟!
صحيح أنّ من يستمع إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في الأيام الأخيرة، على المستويين السياسي والعسكري، يلحظ "تناقضًا" في مكانٍ ما، بين الحديث عن التصعيد من ناحية، ومواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها، والانفتاح في الوقت نفسه على اتفاق لوقف إطلاق النار، يروّج له الإسرائيليون أكثر من غيرهم، إلا أنّ العارفين يضعون هذا "التناقض" في خانة الرغبة الإسرائيلية غير الخفية بالذهاب إلى "مفاوضات تحت النار"، خلافًا للرغبة اللبنانية.
ولعلّ ما نُسِب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الساعات الأخيرة، لجهة قوله إنّه يعتقد بأنه يجب إنهاء حرب لبنان، طالما أنه لم يعد بالإمكان تحقيق إنجاز بحجم اغتيال الأمين العام السابق لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، يعبّر عن قناعة راسخة ضمنًا لدى الكثير من الإسرائيليين، الذين يعتبرون أنّ الوقت اليوم "أكثر من مناسب" لاستثمار الإنجازات التي تحقّقت، وتوظيفها في أيّ "تسوية" يمكن التوصّل إليها، قبل أن يتراجع زخمها.
لكنّ ما يتفّق عليه الإسرائيليون ضمنًا أيضًا، هو أنّ أيّ مفاوضات يجب أن تسبق وقف إطلاق النار، وليس العكس، لأنّهم يعتبرون أنّ تل أبيب قادرة على فرض شروطها في "مفاوضات تحت النار" أكثر بكثير ممّا لو تمّت بعد وقف إطلاق النار، ولو حمل صيغة "المؤقت"، وهذا تحديدًا ما يفسّر التصعيد الوحشيّ في الساعات الأخيرة، وصولاً إلى الحديث عن "مرحلة جديدة" من الحرب، وترجمته بتكتيكات مختلفة وأنماط مغايرة عن كل ما سبق.
بمعنى آخر، يقول العارفون إنّ إسرائيل تريد أن تقول لـ"حزب الله"، ومن خلفه للبنانيين بصورة عامة، إنّها مستعدّة لوقف إطلاق النار، وفق شروطها على الأرجح، وبما يلبّي تطلّعاتها، ولكنها جاهزة أيضًا لتوسيع الحرب وتعميقها أكثر، في حال لم تلقَ التجاوب المطلوب من الجانب اللبناني، وكأنّها تقول إنّها جاهزة لكل السيناريوهات، بل إنّها تتعمّد إطلاق مرحلة جديدة من الحرب، للقول إنّ عدم الاتفاق يعني الذهاب بها حتى النهاية.
وفي وقت لا يخفي الإسرائيليون أهدافهم المضمرة من التصعيد، بدليل ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر أمنية لجهة قولها إنّ الهدف من التصعيد هو "الضغط على حزب الله بالتزامن مع المفاوضات"، فإنّ ثمّة علامات استفهام تُطرَح حول موقف الحزب من ذلك، وكيفية قراءته للرسائل الإسرائيلية "النارية"، علمًا أنّ الحزب كثّف بدوره في اليومين الماضيين، من رشقاته الصاروخية، وقد سُجّلت أضخمها على الإطلاق على حيفا مثلاً.
في هذا السياق، يقول العارفون بأدبيّات الحزب إنّ أداءه خلال اليومين الماضيين يختصر موقفه، الذي سبق أن عبّر عنه الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم، ومسؤول العلاقات الإعلامية محمد عفيف، والذي يستند في جوهره إلى السياسات التي أرساها الأمين العام السابق السيد حسن نصر الله، حين قال قبل أكثر من عام، إن الكلمة الأولى والأخيرة في هذه الحرب للميدان، وهو ما كرّسه في آخر خطاباته، حين أطلق مقولته الشهيرة "الخبر ما ترون لا ما تسمعون".
يشدّد هؤلاء على أنّ الحزب كان حريصًا على عدم التفاعل مع كلّ التسريبات الإسرائيلية والأميركية عن اتفاق لوقف إطلاق النار، وقد تعمّد إكمال عملياته وفق الوتيرة نفسها، من دون أيّ تغيير، قبل أن يلجأ لتكثيفها وتوسيعها ردًا على التوسيع الإسرائيلي، موجّهًا بذلك رسائل واضحة تندرج أيضًا في سياق "الردع"، عنوانها أنّ الحزب ليس ضعيفًا، وهو لم ينهزم بعد خلافًا لما يروّجه الإسرائيلي، ولو أنّ الضربات التي تعرّض لها كانت قاسية.
يقول العارفون بأدبيّات الحزب إنّ الأساس بالنسبة إليه يبقى إثبات قدرته على الاستمرار بمعادلة "إيلام العدو" التي أطلقها قبل فترة، بعدما أقرّ بتحول المعركة من "إسناد غزة" إلى "التصدي للعدوان الوحشي"، علمًا أنّ الجانب الإسرائيلي أدرك أنّ تحقيق أهدافه من الحرب، خصوصًا لجهة إعادة المستوطنين إلى منازلهم في الشمال بأمان، ووقف التهديد الصاروخي من لبنان، سيبقى متعذّرًا، من دون اتفاق، بحسب ما يؤكد هؤلاء.
هكذا، تبدو الأمور مفتوحة على كلّ الاحتمالات، حتى إثبات العكس. الجانب الإسرائيلي يقول إنّه منفتح على التسوية، ولكنه مستعدّ في الوقت نفسه لتوسيع الحرب، مهما كانت العقبات. يردّ الحزب فيقول إنّه مستعدّ لحرب استنزاف طويلة، وإنّه لا يستجدي الاتفاق، بل يريد أن يدفع العدو إلى طلب وقف إطلاق النار، مهما قصر أو طال الوقت. وبين هذا وذاك، يبقى الرهان على دبلوماسية، لم يعد واضحًا إن كانت عاجزة أم.. متواطئة!
0 تعليق