محافظة البيضاء.. خذلها الجميع! - جورنالك

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: محافظة البيضاء.. خذلها الجميع! - جورنالك اليوم الأحد 12 يناير 2025 01:01 مساءً

تُعتبر محافظة البيضاء واحدة من أبرز المناطق اليمنية التي تحمل في طياتها تاريخا طويلا من التحديات والنضال. كانت ولا تزال تمثل جغرافية مهمة من جغرافيا اليمن الاجتماعي والسياسي، لكنها عانت على مر العصور من التهميش والخذلان على مختلف الأصعدة، سواء من قبل الأنظمة الحاكمة أو القوى السياسية.

على أن تاريخ محافظة البيضاء يعكس تجارب مفعمة بالتضحيات والمعاناة، إذ عاشت فترات طويلة تحت وطأة الصراعات الطائفية، والانقسامات السياسية، فضلاً عن تحديات الفقر والتنمية.و من ناحية تاريخية، تمثل البيضاء منطقة شافعية سنية، لكن تداخلات المجتمعات الهاشمية في بعض المناطق جعلت منها ساحة صراع فكري وسياسي، تتقاطع فيها الهويات والتوجهات، ويُستَغلّ فيها النفوذ الطائفي والتاريخي من قبل أطراف متعددة، في مقدمتها جماعة الحوثيين، الذين اختاروا التوسع في البيضاء خلال السنوات الأخيرة، مستفيدين من الفراغ السياسي والأمني الذي خلفته الأحداث المأساوية التي مرت بها البلاد. تتوسط محافظة البيضاء اليمن ، محاطة من محافظات شمالية وجنوبية ! موقع استراتيجي كهذا يجعل من يحكمها يسيطر على اليمن.

في عام 1962، لم يكن الوضع في البيضاء بعيدا عن الحرب التي أطاحت بالإمامة الملكية، فقد كانت المحافظة تشهد صراعا متقطعا بين القوى الجمهورية والإمامية. ومع أن الثورة في الشمال اليمني لم تكن بالسهولة التي تصورها البعض، فإن البيضاء من بين المناطق التي شكلت دعما كبيرا للجمهوريين ضد الإمامة. لكن مع مرور الزمن، أضحى الحال في البيضاء أكثر ظلما ، حيث تم إغفال مطالب سكانها، سواء في مجال التنمية أو في مجال المشاركة السياسية الحقيقية.

وحتى بعد تأسيس الجمهورية، بقيت محافظة البيضاء تحت ظلم مركب من الحكومات المركزية التي لم تهتم بها كما ينبغي. كانت تنمية المحافظة تتوقف على الوعود السياسية، التي لا تجد لها ترجمة حقيقية على أرض الواقع. كانت هذه الوعود تهدف إلى نزع فتيل الأزمة لكنها فشلت في تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية. وأصبح المواطنون في البيضاء يعانون من الإهمال والتجاهل من الأنظمة المتعاقبة.

وبينما كانت البيضاء تتطلع إلى تغييرات جذرية، شهدت الثورة اليمنية عام 2011 التي أطاحت بنظام علي عبد الله صالح، ما ولد معها آمال جديدة في الانتقال إلى مرحلة جديدة من الديمقراطية والاستقرار. لكن هذه الآمال ما لبثت أن تبددت عندما بدأ الحوثيون في تنفيذ مخططهم في السيطرة على الدولة في 2014، وخصوصا بعد اجتياحهم لصنعاء. ومع تقدم الحوثيين نحو المناطق الجنوبية والشمالية، كان للبيضاء نصيب من ذلك الاحتلال القسري، لتكون إحدى المناطق التي عانت بشكل كبير من هذا التوسع المزعج.

وهكذا تزامن اجتياح الحوثيين للبيضاء مع حالة من الفوضى والدمار الذي لحق بالعديد من المحافظات اليمنية، ليُصبح اليمن أكثر تشظيا وانقساما. وبالنسبة للبيضاء، فقد كانت المنطقة ضحية لتصاعد النزاعات المحلية بين مختلف الفصائل، إذ عاشت تحت وطأة القتال المتواصل بين الحوثيين وقوات المقاومة الشعبية، التي تضم أعدادا من مختلف الأطياف المجتمعية. كما أن الكثير من أبناء المحافظة دفعوا ثمنا غاليا جراء قتالهم ضد القوى الحوثية التي تسعى إلى فرض حكمها بالقوة على الجميع.

وفي هذا السياق، لم تكن قضية البيضاء مجرد صراع سياسي عابر، بل كان لها بعدٌ اجتماعي وثقافي عميق. فالأهالي في البيضاء لطالما كانوا معتمدين على قوتهم الداخلية، وعلى تراثهم العريق في مواجهة التحديات التي تمر بها البلاد. وقد شهدت المحافظة على مر السنين عدة محطات مفصلية في تاريخها الحديث، لكنها ظلت تُخذل في كل مرة، سواء من الأنظمة الحاكمة أو من القوى الخارجية التي كانت تأمل في تغيرات لا تتحقق على الأرض.

لذا عندما أمعن الحوثيون في قمع السكان في البيضاء، كانوا يؤججون مشاعر الغضب الشعبي ضدهم، ويُعمقون جراح التاريخ الذي لم ينسَ بعد سنوات الإهمال والتهميش. جرح البيضاء لم يكن وليد اللحظة، بل كان نتيجة تراكمات طويلة من المعاناة بسبب غياب التنمية، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وانعدام العدالة الاجتماعية. وعليه، فإن الحوثيين في البيضاء لم يمثلوا سوى امتدادا لنظام قديم يعيد نفسه، مع فارق بسيط يتمثل في استخدام أساليب جديدة أكثر وحشية في التعامل مع المعارضين.

ولقد أثرت الحروب المتواصلة في البيضاء بشكل بالغ على النسيج الاجتماعي والإنساني، وجعلت من المحافظة مكانا يصعب العيش فيه. فلقد أدى النزاع المتكرر إلى تدمير البنية التحتية بشكل غير مسبوق، وترك مئات الآلاف من السكان في حالة من التشرد والجوع. وقد تسبب هذا الوضع في تغييرات سلبية كبيرة في التركيبة السكانية، حيث أصبح الكثيرون من أبناء المحافظة يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة.

ورغم هذه المعاناة، تبقى البيضاء ايقونة وطنية من أيقونات الصمود والتضحية كمحافظتي تعز ومأرب. فالشعب في البيضاء على الرغم من الألم والخيانة التي تعرضوا لها من قبل الجميع، لا يزال يتمسك بالكرامة والحقوق. وربما كان الدور الذي لعبته محافظة البيضاء في ثورة 26 سبتمبر 1962 يشير إلى أن مقاومتها ستكون حتمية في أي وقت تعود فيه الشرعية السياسية إلى كامل أراضي البلاد.

والشاهد ان البيضاء قد تكون قد خُذلت، ولكنها ستظل حاضرة في ذاكرة اليمنيين وفي ضميرهم.

وعلى الرغم من كل المآسي التي تعرضت لها، فإن الأمل في غد عادل يبقى، إذ يبقى أبناء محافظة البيضاء مصممون على الوقوف ضد الكهنوت ، مهما كانت التحديات التي يواجهونها.

وفي النهاية، علينا أن ندرك أن محافظة البيضاء ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل هي رمز لمعاناة شعب بأسره.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق

انضم لقناتنا على تيليجرام