شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: بعد 471 يومًا من الحرب... "دروس وعِبَر" لا يمكن القفز فوقها! - جورنالك ليوم الثلاثاء 21 يناير 2025 02:11 صباحاً
لم تكن الحرب الإسرائيلية على غزة، التي بدأت في السابع من تشرين الأول 2023، مباشرةً عقب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذّتها فصائل المقاومة الفلسطينية، وانتهت "نظريًا" صباح التاسع عشر من كانون الثاني 2025، وإن كانت مفتوحة على المزيد من السيناريوهات والاحتمالات، مجرّد فصل آخر من فصول الصراع التاريخي، وربما الأزلي، بين الفلسطينيين والإسرائيليّين، منذ نكبة العام 1948، مرورًا بنكسة العام 1967.
كثيرة هي المفارقات التي جعلت هذه الحرب مختلفة عن كلّ سابقاتها، ليس فقط لكون الفلسطينيّين هم من بادروا إلى الهجوم هذه المرّة، بعدما حصروا دورهم بالدفاع على مرّ التاريخ، ولكن أيضًا لأنّها كسرت الكثير من "القواعد" التي اعتقد كثيرون أنّ إسرائيل "سلّمت بها"، فكانت هذه الحرب "الأطوَل" بالمطلَق، واستغرقت أكثر بكثير من أسابيع معدودات، ولعلّها كانت "الأكثر وحشيّة" أيضًا، بالنظر إلى كمّ المجازر والفظائع التي ارتُكِبت على خطّها.
من المفارقات أيضًا في هذه الحرب، أنّ "وحدة الساحات" التي لطالما لوّح بها الفلسطينيون وداعموهم في الوطن العربي، باعتبارها "تهديدًا وجوديًا" لإسرائيل، تحقّقت على أرض الميدان، ولكن في الاتجاه المعاكس، فإسرائيل هي التي خاضت حربًا متعدّدة الجبهات والمحاور إن صحّ التعبير، وهي التي أخذت "جبهات الإسناد" التي كانت أهدافها محدودة وموضعية إلى حدّ بعيد، إلى مكان آخر بالمطلق، فأعادت رسم خارطة المنطقة بشكل واسع.
اليوم، تنتهي هذه الحرب، لتُطوى معها صفحة قاسية وربما سوداء من صفحات تاريخ المنطقة، صفحة تغيّرت معها الكثير من المعادلات، ورُسِمت برأي كثيرين خارطة جديدة للمنطقة، تكاد تشبه "الشرق الأوسط الجديد" الذي يُحكى عنه منذ سنوات طويلة، فماذا عن المرحلة التي ستعقب كلّ ذلك، وما هي الدروس والعِبَر التي يمكن استنتاجها من كلّ ما حصل، بعيدًا عن سجال الانتصارات والهزائم الذي بات مملاً لكثرة استهلاكه؟!.
في المبدأ، ليس سرًا أنّ "كلفة" الحرب الإسرائيلية على غزة كانت باهظة على الفلسطينيّين داخل القطاع المُحاصَر قبل غيرهم، وقد وجدوا أنفسهم بعد 471 يومًا من الإبادة الممنهجة، في مكانٍ لم يعد صالحًا للسكن، ولا يتوافر فيه الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة البشرية الطبيعية، لكنّ هذه الكلفة لا تبدو "محصورة" بالفلسطينيين، وقد نال "جبهات الإسناد" ما نالها أيضًا، ولا سيما تلك اللبنانية، التي دفعت أثمانًا لم تكن محسوبة، ولا مقدَّرة.
صحيح أنّ الفلسطينيين لم يكن لديهم ما يخسرونه، وهم الذين يعيشون منذ سنوات طويلة ما يشبه "الحرب المستمرّة"، التي وصلت إلى أوجها في ظلّ الحكومة المصنّفة على أنها "الأكثر يمينية" في تاريخ إسرائيل، وهو ما برّر "البهجة الكبرى" التي قوبلت بها عملية "طوفان الأقصى" غير المسبوقة في تاريخ القضية، إلا أنّ الثابت أنّ ما شهدوه على مدار الـ471 يومًا من هذه الحرب، كان مرعبًا ومجنونًا إلى حدّ لا يمكن لعاقل أن يتصوّره.
في هذه الحرب، لم تخسر المقاومة الفلسطينية الكثير من قياداتها فحسب، ولكنّ الفلسطينيين بالمجمل خسروا الكثير، وقد تعرّضوا للإبادة بكلّ ما للكلمة من معنى، ودُمّرت بيوتهم، وهُجّروا من مناطق سكنهم، ليهجَّروا مرارًا وتكرارًا من أماكن النزوح التي هربوا إليها أيضًا، ليسكنوا في خيام غير مجهّزة لمقاومة البرد والشتاء، وعاشوا الأمرَّين، جوعًا ومجاعةً، وفقدانًا للدواء، حتى إنّ مستشفيات القطاع تحوّلت إلى أهداف، وخرجت عن الخدمة.
وبالحديث عن الخسائر، ثمّة من يضيف الموقف العالمي الداعم بالمُطلَق لإسرائيل، رغم كلّ الجرائم التي ارتكبتها، وثمّة من يتحدّث عن "تخاذل" عربي وإقليمي عزّز الخيبة، يكاد لبنان يكون "المستثنى" الوحيد منه، عبر "حزب الله" الذي فتح "جبهة إسناد" في اليوم التالي للطوفان، لتتحوّل بعد أشهر إلى حرب كبرى، بفاتورة "ثقيلة"، تجّلت خصوصًا مع اغتيال أمينه العام السابق السيد حسن نصر الله، وما أعقب ذلك من تحولات "دراماتيكية" لم تنتهِ فصولاً بعد.
في ميزان "الربح والخسارة"، ثمّة من يتحدّث عن "إيجابيّات" تحقّقت في مقابل التضحيات الكبيرة، منها ما يتعلق بإعادة حضور القضية الفلسطينية في الصدارة، ومنها ما يتعلق بإجهاض المخطط الإسرائيلي بالقضاء على حركات المقاومة، إلا أنّ الواقع الذي لا يمكن تجاهله، هو أنّ هذه الحركات باتت اليوم في مكان "مغاير" عمّا كانت عليه قبل الحرب، ما يتطلب منها مراجعة حقيقية وجادة لكلّ ما حصل، وربما إعادة رسم استراتيجياتها وهيكلياتها.
في هذا السياق، لا ينكر أحد أنّ عملية "طوفان الأقصى" بحدّ ذاتها حقّقت الكثير، فهي شكّلت "نقلة نوعية" للمقاومة الفلسطينية، وأثبتت أنّها تمتلك الكثير من القدرات، ولا سيما أنّها شكّلت ضربة فاقعة لـ"هيبة الردع" الإسرائيلية، ولو أنّ الثأر كان قاسيًا بعد ذلك، كما أنّ هذه العملية وما أعقبها شكّل "نقلة نوعية" أيضًا على مستوى القضية الفلسطينية، التي استعادت حضورها وألقها، بعدما "هُمّشت" في الآونة الأخيرة، خصوصًا مع اتفاقيات التطبيع.
ويندرج في سياق الإيجابيات، "الزخم" الذي خلقته على مستوى العالم، والذي تجلّى بشكل خاص باحتجاجات الجامعات، وما تسبّبت به من "إحراج" للحكومات الغربية، ولكن أيضًا المسار القانوني الدولي غير المسبوق الذي انطلق للمرة الأولى، خصوصًا عبر محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، وصولاً إلى حدّ صدور مذكرات اعتقال بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، في خطوة لها دلالاتها الرمزية.
لكن، أبعد من هذه الدلالات، ولو وصلت إلى حدّ "عزل" إسرائيل دوليًا بصورة أو بأخرى، يبقى الأكيد أنّ حركات المقاومة ما بعد هذه الحرب ليست كما كانت ما قبلها، من "حزب الله" في لبنان، إلى "حماس" في فلسطين، وما استحقاق "اليوم التالي" سوى الدليل على ذلك، سواء فلسطينيًا، حيث لا تزال الصورة مبهمة وغير واضحة، أو لبنانيًا، حيث بدا واضحًا أنّ الحزب افتقد الكثير من النفوذ الذي كان يتمتع به، بدليل خسارته استحقاق رئاسة الحكومة.
بهذا المعنى، فإنّ ثمّة مراجعة جادة مطلوبة من هذه القوى حتى تكون قادرة فعلاً على "الصمود" في وجه ما تقول إنّه مخطّط للقضاء عليها، لم ينجح في الحرب، لكنه يمكن أن ينجح في السلم، إن لم تبادر إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لتفادي مثل هذا السيناريو، ولعلّ هذه الخطوات تبدأ بالانفتاح على نقاش حقيقيّ وجاد بالاستراتيجية الدفاعية في لبنان مثلاً، بالتزامن مع الانخراط في عملية بناء الدولة، واستعادة دورها وقرارها، بما يحقّق الأهداف.
انتهت حرب غزة نظريًا، بانتظار اكتمال مراحل تبادل الأسرى، وقبلها حرب لبنان أيضًا، بانتظار انقضاء مهلة الستين يومًا، في ظلّ "غموض" لا يزال يحيط بالموقف الإسرائيلي، المستمرّ بالتهديد والوعيد على الجبهتين. لكنّ تبعات عملية "طوفان الأقصى" لم تنتهِ بعد، وهي على الأرجح لن تنتهي فصولاً في المدى المنظور، بانتظار "مراجعات" فكرية وعسكرية وسياسية، تستند إلى "الدروس والعِبَر" التي لا يمكن القفز فوقها!.
0 تعليق