شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: سقوط نظام بشار الأسد في سوريا... أيّ انعكاسات على لبنان والمنطقة؟! - جورنالك ليوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 05:07 صباحاً
لم يكن يوم الثامن من كانون الأول 2024 يومًا عاديًا في سوريا، ولا في لبنان، ولا في المنطقة بأسرها، فهو اليوم الذي لم يشهد على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد فحسب، ولكن أيضًا انتهاء حكم حزب البعث وآل الأسد، المستمرّ منذ نصف قرنٍ في سوريا، في حدثٍ يصحّ وصفه بالتاريخي والاستثنائي والمفصلي، وقد انتظره كثيرون لعقود طويلة، وظنّوا أنّه لن يأتي، بعدما تحوّلت ما سُمّيت "ثورة شعبية" انطلقت شرارتها عام 2011، إلى "حرب أهلية دموية".
وعلى الرغم من "الصدمة" التي تركها سقوط النظام بهذا الشكل السريع والمروّع، في غضون عشرة أيام فقط من انطلاق عملية "ردع العدوان" التي أثارت الكثير من الجدل، ومن دون أيّ "مقاومة" حقيقية أو فعلية من جانب النظام، فإنّ ما بدا مثيرًا للاهتمام أكثر تمثّل في الحماسة منقطعة النظير التي تعامل بها السوريون مع الحدث، وقد تقاطعوا بصورة أو بأخرى على الاحتفاء والحماس، بمن فيهم أولئك الذين كانوا "مُناصرين" للنظام لسنوات طويلة.
وإذا كان كثيرون تحدّثوا عن "صفقة" أبرِمت خلف الكواليس، وأسهمت في صياغتها روسيا وإيران وتركيا، بحيث أمّنت للأسد "هروبًا آمنًا"، مقابل الخضوع للأمر الواقع والتخلّي عن الرئاسة، فإنّ علامات استفهام بالجملة أثيرت حول "سيناريوهات" اليوم التالي في سوريا، وسط غموض يكتنف "السلطة البديلة" التي ستنبثق عن تطورات الأيام الأخيرة، ومخاوف من "استنساخ" تجارب مريرة، مرّت بها العديد من الدول كالعراق وليبيا ومصر وغيرها.
وإلى الإشكاليات المطروحة حول مستقبل سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، والذي تتفاوت وجهات النظر بشأنه بين من يراه مزدهرًا ومشرقًا في كلّ الأحوال، مقارنة بالوضع في ظلّ حكم الأسد، ومن يخشى من أن يكون "أسوأ"، في ظلّ "المجهول" الذي قد تكون سوريا مقبلة عليه، ثمّة أسئلة أخرى تُطرَح حول انعكاسات هذا الوضع المستجدّ على المنطقة ككلّ، ولا سيما على "الجار" لبنان، وهو المرتبط عضويًا وتاريخيًا بسوريا...
في المبدأ، يقول العارفون إنّ ما حصل في سوريا، بمعزل عن كلّ "الألغاز" التي ينطوي عليها، والتي يبدو أنّها ستبقى عصيّة على التفكيك حتى إشعارٍ آخر، يبقى حدثًا تاريخيًا واستثنائيًا، ولكن أيضًا مفصليًا ومصيريًا، في ظلّ ترقّب ما سيترتّب عليه على أرض الواقع، على وقع غموض لا يزال يسيطر على آليات المرحلة الانتقالية، التي إما تنقل سوريا ومعها المنطقة إلى مرحلة الأمان، وإما تكرّس واقع الاقتتال والتقسيم، الذي يخشاه كثيرون.
فصحيح أنّ سقوط النظام أصبح "هدفًا" بذاته، خصوصًا في السنوات الأخيرة، بعدما عجز الرئيس الأسد عن التقاط "الفرص" التي أتيحت له، والتي لم تُتَح لسواه من الرؤساء العرب الذين واجهوا احتجاجات، بل على العكس من ذلك، عزّز من سطوته ونفوذه، من دون أن يقدّم للشعب الأمان الاجتماعي الذي كان بحاجة إليه، بل إنّه لم يتلقّف المتغيّرات في المنطقة، بعد موجات "التطبيع" معه، لدرجة خلق "نفورًا" حتى مع من أيّده وحالفه.
إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ "التحدّي الكبير" يبقى في كيفية إدارة مرحلة ما بعد سقوط النظام، خصوصًا أنّ هذه المرحلة هي التي ستحكم على التجربة، والتي يمكن أن تفرغ "الحدث" من مضمونه، بل تجعل الفرحين والمتحمّسين له يترحّمون على ما سبق، وهو ما حصل في العديد من دول ما سُمّي بـ"الربيع العربي"، ليس فقط تلك التي "اشتعل" الوضع فيها، ولكن حتى تونس، التي عادت اليوم بصورة أو بأخرى إلى "حكم الرجل الواحد".
وفي هذا السياق، ثمّة الكثير من الهواجس ممّا يمكن أن يحمله "اليوم التالي" لسوريا، خصوصًا أنّ قيادة العمليات العسكرية لفصائل المعارضة المسلحة التي تولّتها "هيئة تحرير الشام"، تثير المخاوف من تغلغل "الطائفية"، مع ما قد يعينه ذلك من تقسيم، ولو أنّ قائد هذه الهيئة يوحي بـ"تحولات" في خطابه، توّجه بتخليه عن لقبه الشهير "أبو محمد الجولاني"، واستخدامه اسمه، أحمد الشرع، ولو أنّ ذلك قد لا يكون كافيًا برأي كثيرين، بدليل تجربة طالبان في أفغانستان.
في المقابل، ثمة من يقلّل من وقع هذه المخاوف باعتبار أنّ إدارة العمليات العسكرية على امتداد الأيام العشرة السابقة لسقوط النظام انطوت على "حكمة" يمكن البناء عليها، ولا سيما أنّ الشرع تبنّى خطابًا "مدنيًا" إلى حدّ بعيد، يقوم على مبدأ المواطنة بالدرجة الأولى، وعلى أنّ سوريا الجديدة ستكون لكل السوريين، من دون تمييز أو استثناء، علمًا أنّ ما يعزّز هذا التوجّه يتمثّل في غياب التدخل الخارجي المباشر، خلافًا لما جرى في دول أخرى.
عمومًا، أيًا كان "السيناريو" الذي سيطغى في سوريا، والذي يفترض أن تظهر ملامحه في القادم من الأيام، فإنّ الأكيد أنّ للبنان "حصّته" من الحدث، ليس فقط لكونه يعاني أزمة نزوح متفاقمة منذ "ثورة 2011"، ولا لكون ملفّ المفقودين لم يُقفَل على امتداد حكم آل الأسد، ولكن أيضًا لأنّ الانعكاسات لما يجري اليوم لا بدّ أن تطاله مباشرة، وإن كان المطلوب تكريس واقع "فصل الجبهات"، ومنع إعادة عقارب ساعة التاريخ إلى الوراء.
في هذا السياق، ليس خافيًا على أحد أنّ لبنان الذي تفاعل بشكل كبير مع حدث سقوط النظام في سوريا، وكأنّه معنيّ به شأنه شأن السوريين، ربما بسبب "التاريخ" الطويل لسوريا في لبنان، سواء بوجودها المباشر، إبان ما سُمّيت "وصاية" ويعتبرها كثيرون "احتلالاً"، أو غير المباشر، من خلال النفوذ الذي تتمتع به، والجرائم المنسوبة لها، يأمل أن يؤدي سقوط النظام إلى حسم الملفات الشائكة والعالقة، خصوصًا ملفي النزوح والمفقودين.
وفي حين يترقّب اللبنانيون "تحرير" السجون، وما يُحكى عن سجون سرية، لم يتمّ كشفها بالكامل بعد، لمعرفة مصير المفقودين والمغيَّبين قسرًا، فإنهم ينتظرون أيضًا إنهاء أزمة النزوح التي فاقمت الوضع الاقتصادي والاجتماعي، خصوصًا أنّ التغيير المستجدّ الآن، وسقوط النظام، يفترض أن يلغي صفة "النازح" التي أعطيت للكثير من السوريين من جانب المنظمات الأممية والدولية، وبالتالي أن يفتح لهم باب العودة من الباب العريض.
وبالحديث عن الانعكاسات أيضًا، ثمّة من ينظر بعين القلق إلى التحركات الإسرائيلية المستجدّة في سوريا، خصوصًا أنّ تل أبيب اختارت على جري العادة، أن تدخل على الخط، ربما لاستغلال الفوضى التي تترافق مع سقوط النظام، أو الضعف الناتج عنها، وهو ما تجلّى بدخول المنطقة العازلة، واحتلال المزيد من الأراضي تحت ذريعة "حماية الحدود"، التي يُخشى أن تكون إحلالاً لأمر واقع جديد، قد يكون له تبعاته على المنطقة برمّتها.
في كلّ الأحوال، يبقى الأكيد أنّ سقوط النظام السوري ليس حدثًا عاديًا، يمكن المرور عليه مرور الكرام، بل هو حدث استثنائي وتاريخي، بعيدًا عن "فزاعة" البديل التي استُخدِمت على مرّ السنوات الماضية، فضلاً عن كونه مفصليًا ومصيريًا سيُبنى عليه الكثير، وهو ما يتطلب إدارة المرحلة الانتقالية بوعي وحكمة، لتحصين "اليوم التالي"، الذي إما يكرّس ما صُنّف "إنجازًا"، أو يفرغه من مضمونه، على كلّ المستويات!.
0 تعليق