القديس شربل وجهُ الرحمة لكل العالم - جورنالك

0 تعليق ارسل طباعة

شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: القديس شربل وجهُ الرحمة لكل العالم - جورنالك ليوم الاثنين 23 ديسمبر 2024 02:11 صباحاً

عام 1898 عشيّة عيد الميلاد طارت روح شربل، حرّة، طليقة عائدة إلى ديار الآب، وكان الناسك شربل قد أُصيب بداء الفالج في 16 كانون الأول من الشهر عينهِ أثناء احتفاله بالذبيحة الإلهية، وهو يرفع الكأس والقربان على صلاة: "يا أبَ الحقّ، هوذا ابنك ذبيحة تُرضيك، فاقبله لأنّه مات من أجلي لأتبرّر به، اقبل إذًا هذا القربان من يديّ وارضى عنّي ولا تذكر خطاياي التي فعلتها أمام عظمتك"...

أمام هذا المشهد هرع أخويه المشاركيَن معه في القداس لمساندته خشية أن يقع على الأرض ويأخذا الكأس من يده ليدخل بعدها في نزاع استمرّ ثمانية أيّام قاسى خلالها آلام الاحتضار هادئًا، ساكنًا، مُردِّدًا إسم يسوع ومريم والقديسَين بطرس وبولس شفيعيّ المحبسة.

أمضى شربل في المحبسة ثلاثة وعشرين عامًا، خالية من كلِّ يُسر وترف، حياة لا تترك مجالاً لزيف أو طلاء، فالناسك في محبسته يواجه حقيقته وجهًا لوجه، فيقتصد في القول ويكبح من غلواء شعوره لتصبح عواطفه بسيطة، وذلك ليس بسبب ما يطالع من كتب أو تأملات، بل بالطاعة للأشياء والأحداث، تلك الطاعة التي هي وليدة الفقر الإختياريّ بكل شدّتِهِ، عاش منصرفًا إلى خدمة ربّه، متمّمًا قانون الحبساء بدقّة ووعي كامل.

ثلاثة وعشرون عامًا عاشها الراهب شربل أمينًا لعهوده في محبسةٍ على تلّةِ عنايا. هناك حيث تشعر برهبة المكان الواقع على قمّةِ جبلٍ تحجِبُهُ غيوم السماء من حينٍ الى آخر لتُعيد تمثيل حدث جبل طابور، وصوت الربّ يخاطب قلبه مُشجعًا إياه على المضيّ في رسالة الصلاة لأجل تقديس الذات والنفوس. لقد أضحت المحبسة سفينة معلّقة بين الأرض والسماء، دخلها شربل في محطتهِ الأخيرة على الأرض، وعاش فيها حرّ الصيف الجاف وعزلة الشتاء القاسي، حيث الوقت يسير رتيبًا لمن لا يُتقن الحديث مع الله. الشتاء على تلك التلةِ يَلّفُ المحبسة بغطاء أبيض وتمرُّ الليالي الباردة ثقيلة يقطع رتابتها خطوط البرق ودويُّ الرعود، ويصبح من الصعب جدًا في هذه الأوقات أن تُميّز الأشياء عن بعضها، أو أن تفرُزَ تلك الشجرة عن ذلك الصخر، فعزلة المكان تُشعرُك كأن الله في جزر، لقد إمّحتِ الأشياء وزالت، وإنه من الصعب أن يقبل المرء بذلك الإمحاء والزوال إذ يطال النفس ويضرب بها من الكآبة والملل ما لا يحتملهُ كائن. أمّا شربل فقد اعتنق الفقر وتمرّسَ به وما عادت الطبيعة الموحشة في الشتاء سبب كآبةٍ او خوف، بل على العكس، كل شيءٍ هناك يُحدّثُهُ عن الله وعظمتهِ، فتترُكُ الأشياء من حوله شعورًا عميقًا بالذات الإلهيّة لا يتمالك بالإستسلام له، لقد غادر الله بيته السماوي واختار السكنى في قلب شربل، يقينًا منه أن هذا الراهب الأمين سيكون علامةً لرحمته لكل العالم.

شرح الإيقونة

تُظهر إيقونة القديس شربل يحتفل في الذبيحة الإلهيّة رافعًا الكأس والقربان ليتلو صلاة التقديس"يا أبَ الحقّ، هوذا ابنك ذبيحة تُرضيك، فاقبله لأنّه مات من أجلي لأتبرّر به...". يرتدي القديس شربل بطرشيلًا أحمر اللون، وهو اللون الليتورجيّ الذي يرتديه الكاهن في زمن الميلاد. تُزيّن البطرشيل عناقيد العنب وسنابل القمح فمن الأولى يُستخرجُ النبيذ والثانية تُعطينا خُبزَ التقدمة.

وجهُ شربل يطفح نورًا يعكس سلام الداخل ونشوة الإتحاد مع الحبيب الذي بين يديه، هذا النور يسطعُ أيضًا من جسمهِ حيثُ يترك أثره على طيّات عباءته ليُذّكرنا بقول المزمور 104: "ألملتحف بالنور كرداء"، فما عاد مصدر النور يأتي من الخارج، بل من داخل القديس الذي لَبِسَ المسيح طيلة حياته. يخفض القديس شربل عينيه عن ترّهات العالم ليفتحهما على نور الرب ويكون بكلّيته لأبيه، فرؤياه أضحت تجلّيات سماويّة يخاطب بها الله موضوع شفاعته.

*رئيس دير الاكليريكيّة الكبرى في الرهبانية المخلّصية جعيتا

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق