نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: أي دور أمريكي في سوريا بعد سقوط النظام؟ - جورنالك اليوم الأحد 29 ديسمبر 2024 02:31 مساءً
ميّز الموقع الجغرافي تموضع سوريا في السياسة الخارجية الأمريكية؛ فهي تتوسط مناطق حيوية في الشرق الأوسط بالنسبة إلى صناع القرار في واشنطن. تؤمّن هذه المناطق للولايات المتحدة _ في حال تمت السيطرة على سوريا_ مصالح اقتصادية وأمنية وسياسية.
ولعل إحدى أولى الأولويات الأمريكية في الشرق الأوسط هي حماية “اسرائيل” كقاعدة غربية متقدمة في هذه المنطقة، وبالتالي فإن ضمان وجود نظام في سوريا غير معادٍ لتل أبيب، له أهمية قصوى لأمريكا ومعها الغرب بشكل عام.
وتمثل سوريا عقدة مواصلات أساسية، فهي جارة العراق الذي يربط سوريا وايران من جهة، ويمثل امتداداً اقليمياً للمقاومة في المنطقة من جهة أخرى. كما تحاذي لبنان الذي يطل على جبهة اساسية مع العدو ويُعدّ محوراً أساسياً في الاستراتيجيا الأمريكية، إضافة إلى الأردن الذي يعد حليفاً للولايات المتحدة ويرتبط بحدود مع الضفة الغربية المحتلة. كما تُعتبر سوريا حاجزاً جغرافياً أمام تركيا العضو في الناتو.
حاولت الولايات المتحدة إسقاط الدولة السورية أكثر من مرة. بدأت أولى المحاولات مباشرة بعد غزو العراق عام 2003، بما سمي في حينها “نظرية الدومينو”، ومفادها أن العراق هو البوابة الشرقية لبلاد الشام، قلب الشرق الأوسط، واسقاط النظام العراقي السابق سيرتد حكماً على سوريا، وبالتالي تكون الخطوة التالية ضرب المقاومة في لبنان، ومن ثم المقاومة في فلسطين، وبالتالي الإطباق على كامل المنطقة، بما يعرف بالشرق الأوسط الجديد.
أفشلت حزب الله في لبنان عام 2006 هذا المشروع، وكذلك فعلت المقاومة الفلسطينية في غزة التي برزت عام 2007 كعقبة جديدة في وجه هذا المشروع الشرق الأوسطي. وكان لسوريا دور في دعم المقاومتين.
عام 2011، أعادت أمريكا وهذه المرة إلى جانب العديد من الدول العربية محاولة اسقاط النظام في سوريا، مع ما سمي في حينها “الربيع العربي”. دخلت المنطقة في صراع حاد، حُسم عام 2024 بعد دخول المعارضة إلى سوريا وسيطرة “هيئة تحرير الشام” على مقاليد السلطة في دمشق، مستغلة نتائج العدوان الصهيوني على لبنان وسوريا.
الأهداف الأمريكية في سوريا
وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في سقوط النظام في سوريا فرصة ذهبية لإعادة تشكيل خريطة العلاقات السياسية في الشرق الأوسط، لضمان هيمنتها على هذه البقعة الجغرافية من العالم، وقطع الطريق أمام خصومها الدوليين (الصين وروسيا) في الإستفادة من الإطلالة على البحر المتوسط، واستخدام سوريا كمحور للتجارة الدولية القادمة من شرق آسيا إلى أوروبا.
هناك عناوين عدة معلنة تحكم السياسة الأمريكية تجاه سوريا بشكل خاص وبلاد الشام بشكل عام، وهي ضمان أن لا تكون سوريا منصة لما تقول عنه الولايات المتحدة “إرهابا أصولياً”، وعدم تحول سوريا منطلقاً لعمليات المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي، وبالتالي المطلوب أميركياً إخراجها من دائرة الصراع العربي – الاسرائيلي، وإبعادها عن العلاقات مع محور المقاومة، كما فعلت مع مصر بعد عام 1973 عبر اتفاق “كامب ديفيد” الذي أخرجها من الصراع مع العدو الإسرائيلي.
يشير الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية علي رزق في حديث لموقع جورنالك الأخباري، إلى تصريح باربرة ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط بعد لقائها السلطة الجديدة في سوريا، والذي أكدت فيه على أن لا يكون لإيران أي دور على الإطلاق في سوريا، وبالمقابل أشارت إلى دور تركي في تحقيق المصالح الأمنية في سوريا. وفي السياق، أعلنت أمريكا الغاء المكافأة المالية التي كانت قد أقرتها لمن يدلي بمعلومات عن أحمد الشرع “أبو محمد الجولاني”.
ولفت رزق إلى أن الولايات المتحدة وتركيا اتفقتا على انهاء النظام السوري، لكن هناك خلافات وتباينات حول عدد من الملفات الأمنية وأبرزها قضية الأكراد، مشيراً إلى العلاقات التاريخية بين “اسرائيل” والأكراد، في حين أن العلاقة بين هذا المكون وتركيا صِدامية.
كما أن تركيا _ وفق الباحث علي رزق_ تريد ضمان عدم تحول سوريا مشكلة أمنية لها، خاصة منع اعادة تدفق اللاجئين إليها، في حين أن “اسرائيل” تفضل سوريا بلداً ممزقاً بين أطراف متناحرة.
وتسعى وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة إلى ضم القوات الكردية إلى صفوفها، بحسب ما أعلن مؤخراً “أبو محمد الجولاني”، الذي تحدث عن مفاوضات تجري مع “قسد” لحل أزمة شمال شرق البلاد.
من هنا، أعرب رزق عن اعتقاده بأن الرؤية الأمريكية تجاه سوريا حالياً باتت تميل أكثر لصالح اعطاء تركيا دور الوصاية على الحكم الجديد في دمشق، انطلاقاً من دور أنقرة وكذلك الدوحة في إبعاد “هيئة تحرير الشام” وقائدها العام أحمد الشرع “أبو محمد الجولاني” عن تنظيم القاعدة العالمي، وتأطير مشروعه السياسي ضمن الحدود القطرية للدولة السورية.
ثمة من يعتقد أن هناك رؤية اقتصادية أمريكية – اسرائيلية للمنطقة ولسوريا بالتحديد، تتمثل بما اصطلح عليه بـ “السلام الاقتصادي”، انطلاقاً من “صفقة القرن” التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب، والتي من أبرز ملامحها التعاون الإقليمي وبناء مشاريع اقتصادية مشتركة بين الدول العربية، وسوريا من ضمنها، والكيان الإسرائيلي.
وضمن هذا السياق يأتي الحديث عن مشروع لنقل الغاز القطري إلى أوروبا عبر تركيا، مروراً بالسعودية والأردن وسوريا. كما أن سوريا ليست بعيدة عن “الممر الهندي” المدعوم أمريكيا بوجه الصين، الذي يهدف لنقل السلع من الهند إلى أوروبا عبر الكيان الاسرائيلي، مروراً بالامارات والسعودية والاردن، من خلال بناء شبكة مواصلات وسكك حديد.
“تحرير الشام” وواشنطن.. علاقة جدلية ومصلحية
لعل مسألة الإعتراف الدولي والإقليمي بالسلطة الجديدة في دمشق هي أولى مطالب حكام سوريا الجدد، ويريدون الحصول عليها من خلال البوابة الأمريكية، مع ما يعنيه هذا من تقديم تنازلات سياسية وأمنية لمصلحة البيت الأبيض.
لاقت تصريحات “الجولاني” المطمئنة للغرب والداعية إلى التعاون الأمني صداها لدى الإدارة الأمريكية، التي سارعت إلى مد يد “الصداقة” إلى “تحرير الشام”، وسط سعي إلى تقديمها كمشروع سياسي لدى الدول الغربية ككل.
بالفيديو | المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية “مايكل ميتشل” يتحدث عن امكانية رفع العقوبات
غير ان ما تقول عنه الولايات المتحدة “صداقة وتعاون” ليس في نهاية المطاف إلا استتباعاً لسياساتها، وهذا ديدن السياسة الأمريكية في العالم. ويبدو هذا مؤكداً لدى الرئيس القادم دونالد ترامب الذي ينظر إلى من تقول عنهم أمريكا “حلفاء” على أنهم مجرد أتباع ينفذون أوامره وطلباته المباشرة، وهو يتعامل وفق هذه النظرة مع دول ألمانيا واليابان والسعودية، فكيف بسوريا بواقعها الهش؟
إنحاز الجولاني كثيراً للرؤية الأمريكية في المنطقة العربية، فغازل الغرب، واعداً بحماية مصالحه الأمنية والإقتصادية والسياسية وتبنى سردياته تجاه الصراع في المنطقة، كما حرص على تهدئة المخاوف الإسرائيلية. فالمشكلة بالنسبة للجولاني هي ايران وروسيا، في حين أنه لم يتطرق إلى الاحتلال العسكري الأميركي في سوريا حيث يوجد (2000 جندي) وعشرات القواعد العسكرية. ولم يأتِ الجولاني خلال نحو شهر من دخوله إلى دمشق على ذكر أي منطقة تحتلها أمريكا، خاصة منطقة التنف (القاعدة العسكرية التي تحدثت تقارير اعلامية انها تحوي مقاتلين من داعش يجري تدريبهم)، ولا في مناطق شرق الفرات، حيث تحتل القوات الأمريكية حقول النفط التي لو أعيدت إلى السوريين لحققوا اكتفاءهم الذاتي من تلك المادة الحيوية.
كما لم يصدر من الشرع طوال سنة وشهرين موقف تجاه معركة “طوفان الأقصى”، ولا تجاه محنة الشعب الفلسطيني في غزة الذي يتعرض لحرب ابادة جماعية، ولا تجاه مشاريع الاحتلال التهويدية في بيت المقدس.
وضعت “تحرير الشام” مصالحها أساساً للتعامل في علاقاتها الخارجية، فهي تريد تمكين سلطتها التي تترسخ عبر تعيين قادتها في مناصب اساسية في الدولة، كما تريد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا (قانون قيصر) لإعادة تحريك الاقتصاد السوري بوصفه الرافعة الأساسية لأي سلطة جديدة. لكن تلك النظرة المصلحية دونها العديد من العقبات.
أولى تلك العقبات هي المنافسة الإقليمية والدولية على حجز نفوذ وموقع في سوريا، خصوصاً من جانب حلفاء الولايات المتحدة تركيا والإمارات والسعودية والكيان الإسرائيلي، بالإضافة إلى شكل العلاقة مع الأكراد في شمال شرق البلاد، ما قد يدفع واشنطن إما إلى الانسحاب السياسي من هذه الساحة وتركها للاعبين الإقليميين، وهذا ما عبر عنه ترامب في أكثر من مناسبة، أو محاولة التوفيق بين هذه المصالح المتضاربة، وهو ما قد يتم على حساب خيارات الشعب السوري.
المصدر: موقع جورنالك الأخباري
0 تعليق