نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: أبراج 2025 .. الكوكب أسير توقعات ليلة رأس السنة - جورنالك اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر 2024 05:23 مساءً
كُل من يبدأ إسمه بحرف “ع” سيكون لديه أوراق سفر مرفوضة مع بداية العام. برج الثور يكشف وجود طرف ثالث في العلاقة، يخرج العقرب من الميزان ليدخل أورانوس مع جوبتير .. تتحرك الشمس بعكس القمر … فلان الفلاني يُعثر عليه مقتولاً في مكان عمله … فيضانات ونبوخذ نصر من جديد …………وووووووووو هرج ومرج”.
من يمنعني من أن أقوم بوضع مجموعة من التنبؤات مع قراءة للأبراج؟ أنا لا أحتاج هنا سوى كاميرا وميكرو وإبهار بصري، وأصبح من بين عرّافي هذه الليلة! حيث لا حسيب ولا رقيب سوى صحوة عقل المُشاهد.
ليلة رأس السنة، يتسمّر الملايين أمام شاشات التلفزيون لمتابعة الحدث. المبارزة قوية، عدة أسماء تشارك فيها، ومعزوفة ترافق القراءات في جوٍ من الترقب والإثارة، لتحتار انت كمُشاهد كيفية التنسيق بينهم لكي لا تفوّت إطلالة أحدهم .
هذا ديدن العديد من الشاشات العربية والمحلية منذ أكثر من عشر سنوات. حيث أصبح التنجيم وقراءات المُستقبل الطبق الإعلامي الأساسي لسهرة ليلة رأس السنة .
هل تغيرت رسالة مهنة الإعلام ؟
تقول الدكتورة حوراء حوماني، أستاذة جامعية وباحثة في علوم الإعلام والإتصال، إن الاعلام اللبناني قبل عقدٍ من الزمن كان يُتوِّج ليلة رأس السنة بالعنصر الإنساني، أي يعمل على قصة تحت عناوين مختلفة مثل “لمّ شمل عائلة “، “حلّ مشكلة معينة” بأسلوب درامي. وبعدها يأتي العنصر الفلكي وبرامج الربح والتسلية.
أيضاً، كانت بعض القنوات تخصص اطلالة صباحية يومية لا تتجاوز مدتها خمس دقائق لتقديم توقعات كُل برج، كما كانت الصُحف تُفرد مربعاً خاصة لحظ مواليد هذا البرج.
اليوم، دخل عنصر وسائل التواصل الاجتماعي الذي ساهم في إنتشار هذا النوع من الانتاجات وأصبح متاحاً لكل فرد التواصل عبر الواتساب أو المسنجر مع كل قارئ تاروت وحظ ومستقبل، بالاضافة الى قنوات اليوتيوب لكل منجم أو عالم فلك أو عرّاف والتي تحظى بملايين المشاهدات. تنسحب هذه المشاهدات أيضاً على البث المباشر الذي يحصد من خلاله المُنجّم مئات التحيات والرسائل من مختلف مناطق العالم، مُحققاً أرباحاً مادية باهظة.
أمام هذا التحول، تراجع العنصر الانساني كمادة اعلامية أساسية بنسبة معينة، مع بقاء السهرات الفلكية والتنبؤات وبرامج الربح، حيث تشير حوماني إلى أن الدخول اليوم في عالم المنافسة والسوشيال ميديا والرايتنغ جعل وسائل الاعلام تشعر بخطورة تراجع حضورها أمام وسائل التواصل الاجتماعي. بمعنى أوضح، أرادت هذه الوسائل ركوب الموجة أو المشاركة في صُنعها، خاصة أن العائد المادي لهذا النوع من الانتاج لا يتوقف منذ بداية بث ترويج السهرة إلى عرض الحلقة وأثناء بثها، وصولاً إلى وضعها على موقع أي قناة. وكل زيارة لها تُسجل ربحاً صافياً، ذلك أن الدخول الى المواقع الالكترونية لبعض القنوات يتطلب تسجيلاً مسبقا ًوليس مجانياً.
مُنجّم سياسي وأخر فلكي !
يرى د. ضياء أبو طعام الباحث في الإعلام والحرب النفسية أن ما يحصل اليوم هو نتاج حرب نفسية تشارك فيها وسائل إعلامية حيث تقوم بتقديم استنتاجات عن أحداث قبل حصولها عبر إجراءات عدة، من بينها:
التحليل السياسي على لسان “محلل سياسي” قد يكون له إرتباط بسفارة معينة أو جهة إستخباراتية أو أمنية، حيث تضعه الجهة الموجِّهة بجو الخطة التي تريد العمل عليها، والمحلل يقع دوره في تهيئة الجمهور لتنفيذها من أجل تخريج الحدث لصالح طرف ما، وذلك عبر مقدمات لهذا الحدث تبدو منطقية إلى حدٍ ما. اذا أخفق المحلل السياسي هنا، تقتصر مُحاسبته على لومه بشأن قصوره في ربط الاحداث ومدى علمية قراءته، خاصة أنه لا يستطيع صُنع رأي عام لأن كل تحليل مقابله تحليل مُضاد.
الأخطر هو الإجراء الثاني الذي يتمثل بظاهرة التنجيم، حيث يقوم المُنجّم بقراءة جُملة من التوقعات يأخذ بعضها من جهة ما، يطرحها على الجمهور (مثلاً: الجهة المفترضة تُخبر المُنجم أن فلاناً سيُقتل في ظروف غامضة) من دون أي دلائل أو تحليل أو مخاطبة للعقل، على عكس المُحلل السياسي، وهذا يعفيه من المُحاسبة من قبل الجمهور . وبعد فترة تُروج له القناة تطابق ما توقعه مع ما حصل على أرض الواقع، لتؤثر على قدرة المُتلقي على تقييم المعلومات التي قُدمت له أو تعطّلها. ونكون هنا أمام استغلال المُشاهد وفضوله الى معرفة المستقبل والقلق حيال المجهول.
إضعاف قدرة الجمهور على التفكير !
هذا الكلام يتقاطع مع رأي الدكتور محمود دياب الإختصاصي في العلاج النفسي العيادي الذي يعتبر أن هذه الانتاجات أدت الى ظاهرة يعبَّر عنها بالنبؤة ذاتية التحقق، نتيجتها إضعاف التفكير النقدي عند الانسان كالاعتماد على الآخرين والشعور بالاحباط وجعل الجمهور أقل قدرة على اتخاذ القرارات بشكل مستقل ومبني على الوقائع.
ويشير دياب الى المسؤولية الكبيرة المترتبة على الوسائل الاعلامية من جراء التأثير على الجمهور بطريقة سلبية واستغلالية من خلال زرع الوهم، قد تؤدي مع الوقت الى احتياج فردٍ ما الى دعم نفسي نتيجة عدم تحقق ما قرأه من حظوظ واحداث. وينصح الدكتور دياب المُشاهد بالتحلي بالوعي اللازم لاستغلال مساحته الزمنية بأنشطة بديلة.
رجمٌ بالغيب وكذب على الناس !
الكلام عن التنجيم وعلم الفلك متشعبٌ وواسع سواء من الناحية الفقهية ومن الجهة الشرعية أو على المستوى العلمي والحسابات ، وهنا لسنا بصدد فتح نقاش على هذا المستوى وخصوصاً أن علم الفلك اليوم موجود وهناك حسابات لها علاقة بالخسوف والكسوف ومنازل الابراج ومتى يولد الهلال وغيرها من الامور التي لها علاقة بحركة الكواكب . يمكننا هنا إختصار الرأي الديني الذي شدد على أن هذا العلم إن لم يكن في سبيل منفعة الناس وبالرجوع الى الخالق الواحد الأحد يُصبح شرك فكيف إذا تحول الى مادة إستهلاكية هدفها إستغلال الناس . في هذا السياق يصف الشيخ أمين ترمس أستاذ في الحوزة العلمية ما يحصل من قراءات وتنبؤات بأنه رجمٌ بالغيب وكذب على الناس. فالمنجّم لا دليل معه على المعلومات التي يقولها، بل هذا يُسمى تخميناً وظناً، و”إنّ الظن لا يغني من الحق شيئاً”. وعلى المشاهد أن يتأمل بُكل ما يقدم له ولا يكون ضحية هذه الاوهام.
إستغلال المُشاهد وبيعه إلى شركات الانتاج على قاعدة “ما يطلبه الجمهور”
لا يختلف إثنان على أن لبنان “بلد الحريات والتعبير عن الرأي” إلى درجة قد تقود إلى مزالق خطيرة، ولكن لا يصحّ أن يكون ذلك على حساب عقل الجمهور أو ترسيخ سلوك أو بيع أوهام. فمن خلال معاينة عشرات اللقاءات لفنانين ومشاهير وأسماء، يتبين أن هؤلاء يمتعضون من التوقعات التي تتحدث عنهم وتشير الى حدث ما سيحصل في حياتهم. آخر هذه المواقف ما توجهت به إحدى الفنانات اللبنانيات إلى المُنجمة الفلانية، طالبةً منها “عدم المتاجرة بعلم الله” بعدما تنبأت لها بإنفصالها عن زوجها.
ولان الاعلام وجد أن المُشاهد يرغب بهذا الانتاج ، عمل جاهداً لتسلميه لشركات الانتاج كضحية ، كيف ؟ بإنتاج مئات البرامج المنتشرة عن هذه العناوين وتمرير الاعلانات والرسائل على قاعدة ما يطلبه الجمهور ليكون بذلك مشاركاً بحربٍ نفسية هدفها زعزعة تفكير الناس .
نسأل هنا:
أيحق لوسيلة إعلامية السماح لمُنجم بالتنبؤ بالحياة العاطفية والمهنية للأشخاص علناً؟ أيحق لوسيلة إعلامية بحجة الحرية السماح لمُنجم ببث الرعب والقلق حيال حدثٍ ما في منطقة ما أو زرع التشتت في عقل الجمهور؟ أيحق بهدف المنافسة والمتاجرة عن طريق الاعلانات أن أستبيح الجمهور فكرياً ؟ أليس قانون الاعلام ينص على أن من بين الأدوار الاساسية تثقيف الناس وإعلامهم وتسليتهم وليس اللعب على نفوسهم وإضعافهم على قاعدة أن هذا ما يريده “الترند”؟
المصدر: موقع جورنالك الأخباري
0 تعليق