شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: موقف لبنان من مفاوضات وقف إطلاق النار... مرونة لا تساهل! - جورنالك ليوم السبت 16 نوفمبر 2024 02:03 صباحاً
يستمرّ التضارب في المواقف والتسريبات الإسرائيلية حول احتمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان، بين المسؤولين السياسيين والعسكريين من جهة، والإعلام الإسرائيلي من جهة ثانية، من دون أن تظهر في الأفق أيّ مؤشرات تثبّت اتجاهًا محدّدًا وسط وجهات نظر متباينة، يعبّر عنها التفاوت في المواقف حتى بين وزراء حكومة بنيامين نتنياهو، الذين يدفع بعضهم باتجاه التسوية، فيما يرفع بعضهم الآخر السقف، بما لا يسمح بأيّ اتفاق.
وفي وقتٍ نُقِل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنامين نتنياهو قوله قبل يومين إنّ الوقت حان لإنهاء الحرب على لبنان، طالما أنّه لن يكون بالإمكان تحقيق إنجاز أهمّ من اغتيال الأمين العام السابق لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، فإنّ الأجواء على الأرض لم توحِ بترجمة لمثل هذا الكلام، بل إنّ وزير الأمن الجديد يسرائيل كاتس، ذهب بعيدًا بإضافته مطلب "تجريد حزب الله من سلاحه"، على قائمة الأهداف المتوخّاة من الحرب على لبنان.
وبالتوازي مع كلّ ذلك، كان لافتًا أنّ الجانب الإسرائيلي رفع من مستوى التصعيد الميداني خلال الأسبوع الأخير إلى الحدّ الأقصى، خصوصًا على وقع الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي لم تصبح يومية فحسب، بل على مدار الساعة، مع انتقالها من الدوام "الليلي"، إن صحّ التعبير، إلى الدوام "المفتوح" على امتداد ساعات النهار والليل، مع تسجيل مجازر بالجملة في مناطق مختلفة على طول الجغرافيا اللبنانية، من الجنوب إلى الشمال.
وجاء الإعلان عن "مرحلة ثانية" من العملية البرية ليعزّز هذه "الضبابية" في الموقف الإسرائيلي، خصوصًا أنّه جاء بعد أيام فقط من إعلان المسؤولين في تل أبيب أنّ العملية "استنفدت أهدافها"، وهو ما وضعه كثيرون في خانة "الضغط" على لبنان وعلى "حزب الله"، من أجل انتزاع بعض المكاسب في المفاوضات، ما يطرح السؤال عن "معايير" موقف لبنان الرسمي من المفاوضات، ومدى إمكانية تجاوبه مع الشروط الإسرائيلية في مكانٍ ما.
في المبدأ، يقول العارفون إنّ الانطباع الذي يمكن الخروج به بناءً على أحداث الأيام الأخيرة، منذ بدء هذا الأسبوع وحتى اليوم، هو أنّ إسرائيل تشعر فعلاً أنّ الحرب على لبنان استنفدت أهدافها إن صحّ التعبير، بمعنى أنّه ما عاد بالإمكان تحقيق أكثر ممّا تحقّق، بل ثمّة اعتقاد بأنّ الزخم تراجع عمّا كان عليه بعد اغتيال السيد نصر الله، وبالتالي فهي تعتقد أنّ الوقت قد حان للانتقال إلى طاولة المفاوضات، من أجل تحصيل ما يمكن تحصيله من الأهداف المعلنة.
وليس خافيًا على أحد أنّ إسرائيل تريد الذهاب إلى طاولة المفاوضات من "موقع القوة"، بمعنى أنّها تعتبر أنّها "المنتصرة" في هذه الحرب، وبالتالي فهي تريد أن تفرض شروطها على "حزب الله"، مستندة في ذلك إلى الخسائر التكتيكية والاستراتيجية التي مُني بها الحزب، بدءًا من "مجزرة البيجر"، وصولاً إلى جريمتي اغتيال الأمين العام ورئيس المجلس التنفيذي، أو خليفة نصر الله المجهَّز، مرورًا بالضربات التي تعرّضت لها ترسانته الصاروخية على أكثر من مستوى.
ولعلّ رفع مستوى التصعيد الميداني بالتزامن مع الحديث عن المفاوضات يأتي أيضًا في سياق الضغوط التي تمارسها إسرائيل على لبنان و"حزب الله" من أجل فرض شروطها، ليس فقط لتكريس مبدأ "المفاوضات تحت النار" كما أصبح واضحًا، ولكن أيضًا لجهة القول إنّها جاهزة لكل السيناريوهات، فإمّا الذهاب إلى اتفاق يلبّي الشروط، أو بالأحرى التطلعات والطموحات الإسرائيلية، وإلا فإنّ خيار توسيع الحرب وتعميقها مطروح بجدّية على الطاولة.
بمعنى آخر، فإنّ إسرائيل تقول للقاصي والداني إنّها "انتصرت" في الحرب، وبالتالي فإنّها قادرة على فرض شروطها، وهو ما يطرح تساؤلات عن موقف المفاوض اللبناني في المقابل، خصوصًا أنّ هناك من يخشى أن تكون إسرائيل ساعية إلى "إحراجه"، من أجل تحميله مسؤولية عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار، تمامًا كما فعلت مرارًا وتكرارًا في غزة، حين كانت تفصّل "صِيَغ" الهدنة على مقاس عدم قبول حركة حماس بها، لتحميلها مسؤولية استمرار الحرب.
في هذا السياق، يتحدّث العارفون عن جملة معايير ينطلق منها موقف المفاوض اللبناني، على رأسها الوضع الميداني على الأرض، الذي لا يبدو منسجمًا مع سردية "الانتصار" الإسرائيلية، أقلّه بالنسبة إلى "حزب الله"، الذي يعتبر أنّ العمليات التي ينفذها، والتي بلغت أوجها في الأيام الأخيرة، هي التي تدفع إسرائيل لقرع أبواب التسوية، ولا سيما مع تكريسها معادلة "إيلام العدو"، في ظلّ الخسائر التي أقرّ بها الجيش الإسرائيلي على أكثر من محور.
وانطلاقًا من ذلك، يشدّد العارفون على أنّ الموقف اللبناني الرسمي، وإن كان مَرِنًا، باعتبار أنّ وقف إطلاق النار هو مطلب لبناني في الأساس، إلا أنّه يبقى ثابتًا على معادلة "القرار الدولي 1701 بلا زيادة ونقصان"، كما كرّر كلّ من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في أكثر من مناسبة، ما يعني رفض أيّ اجتهادات إسرائيلية، سواء اتخذت شكل "ضمانات"، أو إجراءات احترازية أو غير ذلك.
يؤكد العارفون بكواليس المفاوضات، أنّ الموقف اللبناني الرسمي لا يمكن أن يتساهل بقبول أيّ شروط إسرائيلية تنتهك السيادة اللبنانية، من نوع الحفاظ على "حرية حركة" في الأجواء اللبنانية، من أجل الرد مستقبلاً على أيّ مصدر تهديد، وهو ما يعني "استنساخ" نموذج الضفة الغربية بشكل أو بآخر في لبنان، علمًا أنّ مجرد الحديث بمثل هذه البنود يثير الريبة، بل الشكوك بمدى "جدية" إسرائيل في مقاربتها للمفاوضات على أرض الواقع.
في المحصّلة، يقول العارفون إنّ الموقف اللبناني من أيّ مفاوضات ثابت على التقيّد بالقرار الدولي 1701، مع إبداء كلّ المرونة والليونة بشأن الإجراءات الضامنة لتنفيذه، شرط عدم انتهاكها للسيادة، لكنّ هذه المرونة لا تسري على أيّ بنود أخرى قد يحاول الإسرائيلي إدراجها في الاتفاق، وقد تضمّنت بعض المسودات المسرّبة الكثير منها، ولو أنّها افتقدت إلى الدقة وفق كل المعطيات، كما لو أنّ هناك من أراد "جسّ النبض" من خلال رميها في بازار المفاوضات.
هكذا إذًا، يتعامل لبنان مع المفاوضات بجدّية، وهو يريد فعلاً أن تثمر اتفاقًا لوقف إطلاق النار، ينتظره جميع اللبنانيين، لوضع حدّ لهذه المأساة التي تبدو بلا أفق، لكنه يعتبر أن مثل هذا الاتفاق هو مصلحة إسرائيلية كما هو مصلحة لبنانية، ولا سيما بعدما تبيّن أن تحقيق أهداف الحرب، خصوصًا لجهة إعادة مستوطني الشمال إلى بيوتهم بأمان، متعذّر إن لم يكن مستحيلاً من دون اتفاق يتوافق عليه الطرفان، وهنا بيت القصيد!.
0 تعليق