شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: بعيدًا عن "التنجيم"... ماذا في التوقعات السياسية للعام الجديد؟! - جورنالك ليوم الخميس 2 يناير 2025 02:11 صباحاً
مع نهاية عام وبداية آخر، تتكرّر "الظواهر" نفسها تقريبًا، ولو أنّها "تتعاظم" بصورة أو بأخرى، ومن بينها ظاهرة ما يسمّى بـ"التنجيم"، أو وفق الاسم الألطف، "التوقعات"، بحيث يطلّ من يسمّون أنفسهم بـ"أصحاب الإلهام" عبر الشاشات، ليسردوا سلسلة لا تنتهي من التوقعات، حول أحداثٍ "سلبية" بغالبيتها سيشهدها العام الجديد، وذلك بعد أن يؤكدوا على "صدقيتهم" باستعراض ما تحقّق من "نبوءاتهم"، وفق قولهم، ولو أنّها تكون مثار أخذ وردّ.
وإذا كان الإعلام يتحمّل مسؤولية أساسية بانتشار هذه الظاهرة، بل "تعظيمها"، وهو الذي يعمد بعد كلّ حدثٍ يحصل، على ربطه بـ"توقّع ما"، بغضّ النظر عن تاريخه ومعناه الحقيقي، فإنّ الثابت أنّ الأحداث "الدراماتيكية" المتسارعة التي شهدها العام الماضي، جعلت اللبنانيين تحديدًا يقبلون على "موائد التوقعات" أكثر من أيّ وقتٍ مضى، متأمّلين بأن يسمعوا أخبارًا واعدة، تعزّز آمالهم بأن يكون العام الجديد أفضل من الذي سبقه.
قد يكون المراهنون على التوقعات أصيبوا بخيبة أمل هنا، فما سمعوه لا يبشّر بالخير بطبيعة الحال، وقد اعتاد "المنجّمون" إن صحّ التعبير، على تبرير "السوداوية" التي تطبع توقعاتهم عبر القول إنّهم يتمنّون عدم حصولها، بيد أنّها تعكس "الصور التي تردهم"، وهي صور ثمّة الكثير من الشكوك التي تحوم حولها، في ظلّ اتهاماتٍ غير خفية لبعض هؤلاء بالدمج بين معلوماتٍ مخابراتية، والتحليل، والشِعر في مكانٍ ما.
ولكن، بعيدًا عن التنجيم، وكلّ ما يثار بشأنه، وبعيدًا عن كلّ التوقعات التي سمعها اللبنانيون ليلة رأس السنة، ماذا في توقعات العام الجديد، بالاستناد إلى التحليل السياسي، واستشراف الاستحقاقات الأساسية المُنتظرة فيه، فهل يمكن "استشراف" صورة العام الجديد بناءً على قراءة واقعية لهذه التحدّيات، ولماذا يعتبر كثيرون أنّ شهر كانون الثاني الحالي سيكون "مفصليًا" في رسم الخطوط العريضة للعام بالمُطلَق، إن صحّ التعبير؟.
في المبدأ، ليس خافيًا على أحد أنّ الاستحقاق الأكبر الذي "يُقلِق" اللبنانيين مع بداية العام الجديد، يتمثّل في "مصير الحرب"، مع بدء العدّ العكسي لانتهاء مهلة الستّين يومًا لوقف إطلاق النار، التي إما يعقبها إنهاء جذري للحرب، كما توقّع كثيرون عند إبرام الاتفاق في نهاية تشرين الثاني، أو تجدّد للقتال بصورة أو بأخرى، كما أصبح كثيرون يتوجّسون ليس في ضوء الخروقات فقط، ولكن أيضًا التسريبات والتصريحات الإسرائيلية، "المريبة" إلى حدّ بعيد.
بهذا المعنى، فإنّ شهر كانون الثاني سيكون "مفصليًا" بالفعل على هذا الخطّ، فإمّا يكرّس "الاستقرار" في جنوب لبنان، وينهي المخاوف من نوايا إسرائيلية مضمرة باستكمال الحرب تحت عنوان القضاء على "حزب الله" بعد انتهاء مهلة الستّين يومًا، ما يسمح بالانطلاق نحو معالجة ملفات أخرى، وإما يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، فتتجدّد "المأساة" التي شهد عليها اللبنانيون في العام السابق، والتي لا يرغبون بأن يعايشوها من جديد.
حتى الآن، توحي كلّ المؤشرات بأنّ الخيار الأول يبقى "الغالب"، على الرغم من كلّ الاستفزازات الإسرائيلية، وربما الضجّة "المفتعلة" على هذا المستوى، إذ إنّ لا مصلحة لأحد بالعودة إلى الحرب، فـ"حزب الله" مثلاً الذي يترك للدولة أمر معالجة الخروقات، لا يزال في مرحلة "استيعاب" الدروس والعِبَر بعد الخسائر التي تعرّض لها، كما أنّ الجانب الإسرائيلي الذي كرّس لنفسه "حرية التصرف"، إن صحّ التعبير، يعتبر أنّ تنفيذ الاتفاق "ضامن" له.
مع ذلك، فإنّ التصريحات والتسريبات الإسرائيلية تترك "هامشًا" برأي كثيرين للخيار الثاني، وإن كان ذلك مرتبطًا بعوامل أخرى، تدخل السياسة على خطّها، بينها انتخابات الرئاسة في لبنان، ووصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، علمًا أنّ "حزب الله" المُحرَج إلى حدّ بعيد، وجد نفسه ملزَمًا برسم معادلة واضحة، قوامها "اليوم التالي" لمهلة الستين يومًا، الذي سيعتبر فيه أيّ قوات إسرائيلية في الجنوب "قوات احتلال"، ويتصرّف بناء على ذلك.
وإذا كان استحقاق وقف إطلاق النار يتصدّر "أجندة" العام الجديد، الذي يعتمد عليه في رسم "خريطة طريقه" ما بعد كانون الثاني، إما إلى الأمام أو الخلف، فإنّ استحقاقاتٍ أخرى ستحضر في العام الجديد، بالتوازي معه، على رأسها استحقاق الرئاسة، الذي يفترض كثيرون أنّ "حسمه" يجب أن يحصل في كانون الثاني أيضًا، ولو أنّه مؤجَّل عمليًا منذ عامين كاملين وشهرين، علمًا أن هناك من يعتبره جزءًا من "السلّة المتكاملة" لوقف الحرب.
في هذا السياق، يتطلّع كثيرون إلى جلسة مجلس النواب المقرّرة في التاسع من كانون الثاني من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، بوصفها مفصلية ومصيرية، ولا تشبه غيرها من الجلسات، على الرغم من أنّ الرؤى لا تزال متضاربة بشأنها، فالمرونة والليونة التي أبداها مختلف الأفرقاء بعيد تحديد موعد الجلسة، بقيت "مع وقف التنفيذ"، بمعنى أنّها لم تقترن بأيّ ترجمات ملموسة، تفضي إلى إنجاز التوافق أو التفاهم الذي يسمح بالتفاؤل بتصاعد الدخان الأبيض.
في المقابل، ثمّة العديد من المؤشرات التي تبعث على التفاؤل منها تصريحات رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الدورات المفتوحة والمتتالية، وصولاً إلى حديثه عن "وصل الليل بالنهار" من أجل إنجاز المهمّة، وسط توقّعات بتفعيل المبادرات الداخلية والخارجية في الأيام القليلة المقبلة، من أجل الوصول إلى جلسة التاسع من كانون الثاني، باتفاق "ضمني" بالحدّ الأدنى بين مختلف القوى، يتيح انتخاب الرئيس ولو بالأكثرية المطلقة من النواب.
ولعلّ هذا الاستحقاق لا يقلّ "مصيرية" عن استحقاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يقول العارفون، ليس فقط لأنّ من شأنه تكريس إنهاء الحرب، بوجود رئيس يتولى مسؤولياته، لجهة بلورة صورة "اليوم التالي" للحرب مع المجتمع الدولي، ولكن أيضًا لأنّ من شأنه فتح الباب أمام الكثير من الاستحقاقات المؤجَّلة منذ هيمن الفراغ على قصر بعبدا، عبر إعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية، ووضع حدّ لظواهر "التمديد" المتفاقمة على أكثر من مستوى.
ولعلّ أهمية انتخاب الرئيس تكمن في هذا الجانب تحديدًا، فهو سيؤدي لانتظام المؤسسات، وبالتالي سيسمح بتشكيل حكومة "أصيلة" يمكن أن تشرع في تنفيذ الكثير من الأمور المؤجَّلة، من التعيينات وغيرها، ولكن أيضًا في إطلاق ورشة الإصلاحات التي طال انتظارها، وهو ما يفترض أن يفتح الباب أمام انتعاش ولو جزئي في الحركة الاقتصادية والتجارية، شبه المجمّدة منذ الأزمة التي أعقبت احتجاجات العام 2019 ضدّ الطبقة السياسية.
كما أنّ إنجاز الاستحقاق الرئاسي سيكون أيضًا "المفتاح" من أجل معالجة ملفات شائكة، سواء عبر حوار وطنيّ شامل لا بدّ منه، أو عبر مشاورات جدّية ومكثّفة، ومن بين هذه الملفات مثلاً العلاقات اللبنانية السورية، في ضوء المتغيّرات الحاصلة في المرحلة الانتقالية التي يبدو أنها ستطول نسبيًا بعد سقوط النظام، وكذلك ملف إعادة الإعمار الذي يبدو "ضاغطًا"، وسط مخاوف تبدو مشروعة من عدم وصول مساعدات بالقدر الكافي لمثل هذه العملية.
قد تكون الأمنية التي تقاطع عليها جميع اللبنانيين في ليلة رأس السنة، هي أن يكون العام القادم "أفضل" من الذي سبقه، ولو أنّهم يعتقدون بينهم وبين أنفسهم أنّه لا يوجد "أسوأ" من العام الماضي، بحروبه وأزماته وكوارثه. قد يكون الحديث عن "يقين" بهذا الشأن سابقًا لأوانه، لكنّ الثابت أنّ شهر كانون الثاني مصيري في هذا المضمار، لتكريس وقف إطلاق النار، وانتخاب الرئيس، وإلا فالمجهول قد ينتظر لبنان، لعامٍ آخر!
0 تعليق