لماذا انتصر الثوار في حصار السبعين؟! - جورنالك

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: لماذا انتصر الثوار في حصار السبعين؟! - جورنالك اليوم الجمعة 27 ديسمبر 2024 09:53 صباحاً

ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى أحداث حصار السبعين المؤلمة، لا بد لنا أن نقف قليلاً عند أسباب وظروف ذلك الحصار، وكذلك عوامل نجاح كسر الحصار وتغلب الأبطال عليه، والانتصار الساحق الذي حققوه، رغم كل المكائد العالمية التي أحاطت باليمن في تلك الظروف وأدت إلى الحصار لوأد الجمهورية والإبقاء على الإمامة التي تم دعمها لتعود اليوم بنسختها المحدثة، وفي نهاية المطاف كان فتحاً عظيماً وملحمة من ملاحم اليمنيين العظيمة التي يسطرونها على مر التاريخ بأحرف من نور وببوارق السيوف.

• لم تكن الظروف اليمنية في منتصف الستينات ظروفاً طبيعية ولا عادية، ولم تكن دروبهم مفروشة بالورود، بل كانت في أسوأ حالاتها؛ مليئة بالمصاعب، مزروعة بالألغام والأشواك، لا يخرجون من أزمة إلا دخلوا بأخرى أشد من سابقاتها، حتى ادلهمت كلها وتفجرت في وقت واحد وتكالبت في نهاية عام 1967 في حصار السبعين؛ إذ تكالب عليهم القريب والبعيد والصديق والعدو والحليف وغير الحليف، وخذلوا داخلياً وخارجياً، حتى شكل للثورة والثوار صدمة كبيرة وصدمة معنوية حد الشعور بالهزيمة والاستسلام بل واليأس والإحباط جعل من كثير من قياداتها تروم السلامة وترفض العودة إلى الداخل لحماية الثورة والجمهورية، وانسحاب الحليف من المشهد الذي مثل سنداً وداعماً للثورة والجمهورية، وترك اليمنيين يموج بعضهم في بعض!

• أحياناً يأتي النصر من قلب المحنة، والمحنة تصنع النصر إذا تم التفكر فيها وأخذ زمام المبادرة واقتناص فرصتها وحسن استغلال صنيعها.

فعلى الرغم من تململ ثوار السادس والعشرين من سبتمبر من الحليف المصري الذي انحرف بالثورة عن مسارها، وصار يمثل عائقاً أمام مسار الثورة أن تبلغ غايتها، ومطالبتهم المستمرة في إصلاح سياسة المسار وعدم التحكم بشكل كامل بالثورة وخيوطها، أو التدخل في التعيينات الداخلية، وكذا فهم الطبيعة اليمنية بشراً وجغرافيا وتاريخاً، وصولاً حد أن يعتقل جمال عبدالناصر كل الحكومة والشخصيات اليمنية القيادية والمؤثرة عاماً كاملاً وشهرا، وفرض مساراً إجبارياً وصدامياً على سياسة السلال مع بقية اليمنيين سواء في صف الثورة أو مع الخصوم، وعدم الاستماع إلى التوافق الذي يخفف من معاناة الثورة، إلا أن أولئك الثوار في نهاية المطاف كانوا أكثر المناشدين لعبدالناصر في عدم سحب الجيش المصري من اليمن بعد نكسة حزيران 1967!

حتى وإن كنا نميل للفعل الثوري المتشدد الذي أبداه السلال في التعامل مع الحالة الثورية دون رؤية الآخرين للتعامل معها، لكنه للأسف الشديد لم يكن يمضي به على هدىً وبينة جديدة بمشروع مستنير في كل المجال؛ فقد كان ينفذ المطالب المصرية الصدامية مع الجيران والتي كان يمليها عليه السادات وعامر وغيرهما عن طريق البيضاني الذي فرض على الثورة والثوار فرضاً خارجياً بصلاحيات تفوق صلاحيات الرئيس السلال نفسه، حتى تم الاشتراط على الثورة أن لا يتم تنفيذ أي مطالب لها إلا عن طريق التمكين للبيضاني المتهبش.

• كانت مصيبة النكسة على مصر أكبر من طاقاتها وإمكاناتها، وحتى أهداف عبدالناصر وطموحه في التمدد والتحكم جنوب الجزيرة العربية، وكان اتجاهاً إجبارياً أن يسحب قواته من اليمن دون أية ترتيبات مع الثوار وقيادة الشعب اليمني، وفجأة كل شيء صار عكس كل شيء!

• السلال الصدامي مع الثوار اليمنيين من أجل أهداف عبدالناصر انقلب على سياسة عبدالناصر ويعزو إلى أنصاره التظاهر ضد الجيش المصري في صنعاء مما أدى إلى أحداث أكتوبر 67، وقتل أكثر من 30 جندياً مصرياً في ميدان التحرير بصنعاء بعد محاولتهم قمع المظاهرة بقوة السلاح، ليستخدم الطرفان السلاح ضد البعض الآخر، مما شكل جرحاً غائراً في صدر عبدالناصر وصدر الجيش المصري بشكل عام.

• وعبدالناصر الذي دفع بقرابة مائة ألف جندي مصري بكل عتادهم وتمويناتهم للقتال في اليمن بحجة مناصرة الثورة، فجأة يخذل الثورة وينسحب دون تنسيق من اليمن، إلا من لجنة ثلاثية متفق عليها مع الجامعة العربية، كل عملها ضد الثورة وأهدافها ولصالح الإماميين!

بل والأسوأ من كل ذلك فقد أوعز عبدالناصر إلى حلفائه السوفييت وغيرهم أن يماطلوا في عدم تسليم أية صفقة سلاح للثورة اليمنية وغض الطرف عن إمكانية سقوط صنعاء وانتكاسة الثورة، ونلاحظ وصول سفينتي السلاح الروسية والصينية بعد كسر الحصار وانتصار الثوار!

• وقادة الثورة اليمنيون المعارضون لسياسة عبدالناصر والجيش المصري من تيار مؤتمر خمر، الذين طالبوه بالانسحاب وترك اليمنيين يشقون طريقهم ويصطلحون فيما بينهم، عادوا يناشدون عبدالناصر بعدم الانسحاب من اليمن!

• في ظل هذه الظروف كانت أكبر فرصة ذهبية للإمامة لحصار صنعاء ومحاولة الانقضاض على الثورة وإعادة الإمامة مجدداً، حتى تم إحاطتها إحاطة السوار بالمعصم، بقرابة مائة ألف جندي ومرتزق ومسلحين قبليين بإمكانيات ضخمة تفوق عشرات المرات إمكانية الثورة، أغراهم على ذلك الانسحاب المصري من اليمن وظنوها فرصة سانحة للانتصار؛ فالانسحاب المصري كشف الغطاء السياسي والعسكري والاقتصادي عن الثورة، مما أعطى فضاءً واسعاً لليمنيين وحرية كاملة من عدم القيود للتحرك حيثما وكيفما شاؤوا.

• وعلى الرغم من كل هذه العوامل كان هناك عامل واحد يعتبر من أهم العوامل التي لم يدركها الثوار ولا اليمنيون بشكل عام دعمتهم دون تخطيط منهم أو علم مسبق، وهو عامل امتلاك القرار وسيادته، والتحرر من التبعية وقيودها التي تقدم مصالحها على المصالح الداخلية لليمنيين، مع بعض المعاناة بطبيعة الحال التي لا يخلو منها أي عمل مقاوم، وتحول الأمر من محنة شديدة إلى منحة ربانية للثورة.

مع امتلاك القرار، مهما كانت التحركات ضعيفة والإمكانات محدودة، إلا أن ثمارها تكون عظيمة على الأرض، وتعطي مساحات واسعة للتموضع والمناورة سواء مع الخصوم أو الحلفاء أو ممن يقف في المنتصف، وعندها تتبين كل الطرق، وتتضح كل المعالم، وهذا التبيان يكون عاملاً مساعداً لرجال السياسة والعسكريين الميدانيين على السواء في تلمس طريقهم واختيار صفوفهم.

• أعطيت فرصة للقيادة السياسية في استدعاء العمري كقائد صارم ومتشدد للجمهورية من معارضي السلال في السياسة القديمة، وكواحد من بقايا الثوار الكبار الذين ما زالت الثورة تتقد في قلوبهم جمراً تدفعهم نحو الاستقلال الكامل، والذي بدوره اختار الضباط الصغار الثوريين المغمورين والمغامرين في ذات الوقت، المتشددين للجمهورية الحريصين عليها ممن لم يتركوا الجبهات ولا الميدان ولا الثغور والعيش في القاهرة كما فعل الخولاني وآخرون، وعينهم في مناصب قيادية تنفيذية وبصلاحيات كاملة مع كامل الدعم المادي من خلال المتاح كعبدالرقيب في رئاسة الأركان، وحمود ناجي ومحمد مهيوب الوحش في المظلات، وعلي مثنى في المدفعية، ومحمد صالح فرحان في المشاة، وآخرين كعبداللطيف ضيف الله، ومن ثم اللجوء للشعب وقياداته المدنية والاجتماعية صاحبة الكلمة في الثورة كعبدالغني مطهر والأسودي وبقية التجار، وكذلك الشيوخ عبدالله بن حسين الأحمر وأحمد عبدربه العواضي ومجاهد أبو شوارب وسنان أبو لحوم ومحمد علي عثمان وصالح الرويشان وأحمد المطري وآخرين، حتى النساء حملن السلاح وشكلن لجانٍ مجتمعية حماية داخلية، مما بنى جدار صد كبير وسداً منيعاً، ومقاومة صلبة يصعب اختراقها أفضت في نهاية المطاف إلى النصر المبين.

• تحول الانسحاب المصري من الساحة اليمنية من عامل ضعف إلى عامل قوة للثورة اليمنية؛ حيث فرض الثوار رؤيتهم دون كوابح ولا إملاءات ولا شروط، وتم سحب الذرائع للمشايخ والعناصر القبلية التي دعمت الإماميين في أنهم يواجهون عدواً خارجياً، وأعطى الشعب اليمني دفعة معنوية قوية أن المعركة معركة يمنية خالصة دون سند أو تحكم خارجي، ودون تصفية حسابات لقوى دولية وإقليمية على الأرض اليمنية؛ فكان الناس يلتحقون في صفوف الثورة أفواجاً من الشمال والجنوب على السواء وبتمويلات ذاتية مجتمعية كونها ثورة يمنية خالصة.

• وعلى الجانب الآخر تفت في عضد الإماميين الذين جندوا في صفوفهم حتى المرتزقة من أمريكا وكولومبيا وبريطانيا، وحتى إسرائيل دعمتهم بالسلاح عبر الطيران، وتحول ذلك الدعم الخارجي لهم إلى عامل ضعف وتهكم في صفوف الشعب؛ حتى أفقدتهم في نهاية المطاف أكبر شخصية قتالية وعسكرية وقبلية وهو الشيخ قاسم منصر الذي تحول إلى صفوف الجمهورية كعامل قوة وقصم ظهر الإمامة، لينسحب بمقاتليه والانضمام للثورة، حتى أطلق عليه المشايخ حينها وشبهوه بخالد بن الوليد حينما التحق بالإسلام.

• الملاحظ أن كل العوامل السابقة تشكل في المنظور العسكري عوامل معنوية خالصة كالإصرار على الغاية والهدف، هذه المعنويات هي التي تدفع الناس إلى الأخذ بزمام المبادرة والأمور الميدانية، وتعطي العزيمة على النصر، وتكوّن المشروع الذي على أساسه تبنى الجيوش والأعمال المقاومة وتبنى الدول وترسم الغايات وتنير الدروب، ودروبها لم تكن مفروشة بالورود بطبيعة الحال بل مزروعة بالألغام والأشواك المتعددة ولا ينجو منها إلا المحترفون والمخلصون في نفس الوقت.

• تتصف الثورة بأنها فعل مندفع، ومغامرة كبيرة يقوم بها ثوار مغامرون متمردون على واقعهم للانتقال به إلى واقع جديد يكون في حالة قطيعة كلية مع الماضي الذي ثار الناس عليه، وطلباً لمستقبل أفضل.

غالباً هذه المغامرات هي التي تصنع التحولات التاريخية؛ لأن الذي يحسب لكل شيء حسابه الخاص لا ينجح غالباً؛ إذ تكبله تلك الحسابات عن النهوض.

قيل إن الذي يحسب للنهايات لا يمكنه أن يصنع بطولات ولا يمكن أن يكون بطلاً، والبطل هو الذي يحدث المعجزات بفعل العمل المغامر وغير المحسوب، ولا يخشى الثائر خسران شيء، وغالباً لا يكون عنده ما يخسره سوى روحه التي بين جنبيه.

• من هنا غامرت ثلة شجاعة في 26 سبتمبر وأحدثت تحولات كبيرة في البلاد، وهي ثلة الضباط الأحرار، الذين تم وأد مشروعهم حينما تحول مسار الثورة من ثورة تغييرية كاملة إلى نصف ثورة، وتم وراثة هذه الثلة من قبل ثلة أخرى هي ثلة عبدالرقيب وزملائه فكان المتربصون لها بالمرصاد.

وهكذا هو فعل الثوار المغامرين في كل عصر ومكان، كما نعلم من سيرهم؛ تهور ومغامرات في نظر العاجزين المثبطين لكن التاريخ لا يصنع إلا بأيدي المغامرين الذين لا تكبلهم العوائق والمغارم ولا يلتفتون للمغانم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق